لم يكن لذلك الخبر أي قيمة إعلامية تذكر حينما أعلنت الوسائل الإعلامية المؤيدة للنظام الدمشقي أنه وبموجبه يجب على بعثة المراقبين الموفدين من قبل الأمم المتحدة التأكد “أكثر” من مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية أثناء الصراع السوري ولكن من الطرف الاخر فقط!
سأل البعض :أين رميت تلك الأسلحة؟ البعض الاخر تعجب: كيف أظهروا أثارها؟! وبعض أخر استفهم: كيف كانت تلك الأدلة دامغة بهكذا حد؟ كل ما نمتلكه من معلومات أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم لم يظهر حتى الان ليعرض أي فيديو مسجل مسرب أو “مجهز” يثقل الخبر بمصداقية مطلوبة أقلها على من ينتظر التطعيمات لمواقفه المؤيدة لأقوال المعلم ويا ليته “معلم”!
كان ذلك الخبر كغيره من الأخبار التي عرضت على أسفل الشاشة السورية وقتما كان مسلسلٌ سوريٌ قديم يعرض خوفاً على توقيفه للحظات على حساب الأهمية المكتسبة لخبر كهذا! كان خبرٌ نظاميٌ افتقد كل المعايير المهنية الإعلامية:” مجموعات إرهابية مسلحة تستخدم أسلحة كيميائية ضد عناصر من الجيش السوري في حي جوبر”. لأقم أنا بواجبي وبواجب هذه القنوات الذي لم يكتمل أمام الملايين من المتابعين والقراء ,ولأقدم كل الشكوك الإعلامية والإنسانية والمعرفية نحو هذا الخبر, فلأنقد هكذا خبر ولتسمحوا لي أن أسأل وأحلل:
أولاً, مهنياً: هل يعلم التلفزيون السوري الرسمي كيف يكتب خبراً صحيحاً ملماً بكل القواعد الإعلامية؟ هو بحاجة للإجابة عن 5 أسئلة بوضوح تام: الأول: من: مجموعات إرهابية مسلحة, والله يعلم من هم هؤلاء المجموعات, هم يشبهون مجموعات اخرى تقوم يومياً بقتل المدنيين و قتل عناصر الجيش السوري ويُقتلون بالعشرات كذلك, أسماءهم؟ هوياتهم؟ انتماءاتهم؟ دياناتهم حتى؟ حقيقة, لا أحد يعرف ببساطة حتى عاملي التلفزيون السوري! متى: كل يوم, كل ساعة, كل دقيقة, كل ثانية حيث تبذل هذه المجموعات جهوداً تشكر عليه تجعلها أكثر الأسماء تكراراً في تاريخ الإعلام السوري وربما العربي! أين: في حي جوبر ولأهمية الموقع تفسيرات عدة أعرضها في الأسفل. ماذا: مجموعات إرهابية مسلحة تستخدم أسلحة كيميائية ضد عناصر من الجيش السوري في حي جوبر, هنا السر في طبخ الأخبار و إعداداها دون المقادير على القنوات السورية المؤيدة بأكملها! لماذا: ربما قد مل المعارضون السوريون فقرروا الانتحار ثم الاستسلام!
ثانياً, عسكرياً: كيف يستخدم مقاتلو المعارضة المسلحة الأسلحة الكيميائية في حي جوبر وهي أثقل وأكثر المناطق معارضة للنظام السوري, والنظام يعلم جيداً هنا أنه فشل لأكثر من سنة في الاقتراب من حدودها, كيف يستخدمون أسلحة قاتلة كهذه وأثارها قد تمتد إلى داخل الحي؟ إلى داخل أكثر المجموعات المعارضة وجوداً و أهمية في ريف دمشق؟ أيقدمون المسلحون المعارضون على الانتحار عسكرياً في دارهم وهم يعلمون أن سقوط جوبر يعني سقوط ريف دمشق يعني سقوط “الثورة السورية” ؟
ثالثاً, تكتيكياً: لمن يتابع أخبار الحي من أهله ومن المقيمين بداخله قبل الوسائل الإعلامية ;غشية من ضرب المعلومات بمصداقيتها كون أكثر الوسائل الإعلامية العربية تقوم بتنفيذ المخططات “العدوانية” ضد النظام السوري; يعلم أن كل أنواع الأسلحة الحربية ,من “المسدس العادي” مروراً بقذائف “الهاون” إلى قصف طائرات “الميغ” و”السوخوي”, استخدمت من قبل مسلحي النظام ومن يشاركهم في قضيتهم ومع هذا كله فإنهم لم يستطيعون اقتحامه أو “التنزه فيه” حتى ولو لدقائق, فهل يعد غريباً مثلاً أن الحل النهائي أو السلاح الأخير قد رسم له أن يحسم المعركة ,وجوبر “الدمشقية” مطالب بدخولها مع الغوطة والمناطق المجاورة لها؟ من سيستخدم سلاحاً قد يجلب انتصاراً ما: المعارضة في معلقهم أو النظام من الحدود الخارجية المعارضة؟ من هنا بحاجة إليه أكثر من الاخر؟ الأمر لا يحتاج إلى تحليلات عبقرية…
رابعاً, سياسياً: إلى ماذا يدل تذرع الجعفري بقيام بعض المجموعات المعارضة المسلحة بهجمات كيميائية في خان العسل بريف حلب منذ أشهر دون هجوم الغوطة وحي جوبر و تشديده على الطلب السوري الحكومي بالبحث عن حقيقة استخدامه وعن هوية مستخدمه ؟ ألا يدل على رغبة حقيقة في إيجاد توازن ما في لغات العقاب المتواترة في أيامنا هذه؟ ألا يدل على واقع فشل الجعفري في إخفائه يظهر قيام النظام بهجمات كيميائية بغض النظر عن ارتكاب المعارضة أيضاً لهجمات أخرى مشابهة؟
خامساً, إعلامياً: لم خطط لحملات إعلانية دعائية تحدثت عن قدوم مسلحين من حزب الله إلى لبنان بغية العلاج بعد إصابتهم بالأسلحة التي يقال أنها استخدمت في الحي؟ طبياً, كيف وخوفاً على سلامة أجسادهم من مخاطر تلك الأسلحة وعلى من يمر بجانبهم حتى ويتنشق هوائهم أن ينقلوا من داخل الحي ويمروا بحواجز نظامية لا تعد ولا تحصى وبلجان شعبية “رفيقة” نحو الحدود السورية اللبنانية ثم نحو الحدود اللبنانية السورية ثم إلى المصنع وعنجر ووو ثم إلى حيث سيعالجون؟ كيف أحاطوا بتنفس طبيعي أمد بحياتهم لساعات قبل العلاج؟ لم لم يعالجوا في احدى مستشفيات دمشق القريبة؟ حملة إعلامية غامضة المعالم, لصالح من؟ أليس من الأفضل أن تلم بعض الاحتراف الجانبي قبل؟ ثم هل يوجد مقر ما للسيدة زينب في الحي؟ هذا موضوع فاضح اخر لم يحسبوا له أيضاً!
سادساً, معرفياً: ما أسماء الجنود المصابين؟ لم لم تكشف هوياتهم؟ كيف لتحدي وقح غير مهتم بوجود المراقبين في مناطق قريبة من قبل المعارضة أن يمر مرور الكرام كالأخبار الاعتيادية دون إلقاء الضوء وتقديم كل الأدلة والتفسيرات المطلوبة أقلها الأسماء و موقع استخدام الكيماوي؟
ما زالت تعاني القنوات السورية النظامية من فشل إعلامي ذريع وفهم خاطئ و تنفيذ خاطئ للقواعد الإعلامية الأساسية ثم من غباء مخابراتي واضح لم يُعمل على إصلاحه أو إخفائه إعلامياً! في المقابل, لم يلوم البعض إعلام المعارضة الذي يبذل جهوداً تحسب لها حيث تراه يكشف عن أسماء كل من يقتل من صفوفها, وعن موقع كل قذيفة تسقط, وعن كل استهداف يحصل, وعن كل معركة تشن بأسماء دقيقة للشوارع و الأبنية و العمارات والعقارات؟. إن كل هذا, دون أدنى شك, يجعل إعلام المعارضة قريباً أكثر للمشاهد حيث يصادقه الأخير ويتكل عليه في معرفة التطورات الإخبارية كونه أكثر صدقاً ومقاربةً للواقع السوري من نظره وكونه ,ومن وجهة نظره, الشارح والمفسر العاقل للأحداث اليومية الدائرة.
عبدالله بلال بعلبكي