ما إن اندلعت انتفاضة الشعوب العربية والإعلان عن ثورتها ضد أنظمة الدول العربية الاستبدادية الشمولية الغاشمة، حتى سارعت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة لقرع طبول إثارة النعرات الطائفية وتأليب الرأي العام ضد دين واحد بعينه. ومن بين تلك الدول كانت سوريا في صدارتها، تلك الأخيرة سرعان ما ألمحت إلى إمكانية اندلاع حرباً طائفية إذا ما انتفض الشعب السوري ضد حكومته، كذلك عزفت رجالات الدولة على وترها، وملأت شوارع مدنها وخاصة العاصمة دمشق بإعلانات من مثل: لا للطائفية… طائفتي سوريا… لا للفتنة… الفتنة أشد من القتل…احذروا رموز الفتنة وحاصروهم… إلى أن صدق بعض الناس المغلوب على أمرهم فكرياً ووجودياً بأن الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو تفضيل البقاء مع هذا النظام على الدخول في حرب طائفية وصراع داخلي قد يفكك المجتمع السوري ويقضي على لحمته!
وسرعان ما وقع بالفخ المثقفون وأشباه المثقفين وغير المثقفين حيث رفعوا الشعار ذاته، ظناً منهم أنهم بذلك يعلون من إنسانية الإنسان، كل ذلك خوفاً ممن يرددون شعار “الدين لله والوطن لله والجميع لله” الذي يُأخذ عليهم أنهم يبطنون الادعاء القائل بأن الدين والوطن والجميع لهم! وأن الوطن عندئذٍ –حسب معارضيهم- لا يصبح وطناً لأنه سيؤدي إلى إقصاء الأقليات وإلى حرب طائفية وإلى العودة إلى التخلف!
في الواقع إن ما شهدناه في بداية حقبة آل الأسد ادعاء تبني سوريا شعار “الوطن للجميع”، حيث لعبت دوراً زائفاً في الإخاء الوطني والتعايش، ونادت بحقوق الأقليات في الاختلاف العقدي أو المذهبي أو السياسي أو القومي شأنها شأن الأكثرية، لكن شيئاً فشيئاً، وعندما أحكمت السلطة الديكتاتورية قبضتها على مراكز القيادة السياسية، والقوى العسكرية، واطمأنت وانتشر الرخاء ضمن طبقة تلك السلطة كشفت أقنعتها، وأصبح الوطن لها، بل لقد سُمي الوطن باسم عائلة واحدة، وأظهرت تعصبها الإيديولوجي المقيت، وأشاعت الكراهية بين أبناء الوطن الواحد، واتخذت سياسة الإقصاء والرأي الواحد، ومن يحيا في سوريا يفهم ما أقصده.
في الواقع إن الأنظمة العربية منذ تسلمها سدة الحكم لم ترد أن يكون للشعوب حقوقاً وواجبات متساوية مع شعوبها، فكيف لها أن تتكلم عن حق الوطن للجميع، وهي التي حصرته في فئة واحدة، لا بل في عائلة واحدة.
المشكلة ليست في هذه المقولة أو في تلك، لأنها كباقي المقولات أفرزتها حقبة تاريخية لكنها ولّت ومضت مع دخولنا عصر ثورات الشعوب العربية. فاليوم ومع ثورة الشعوب الحرة لمن لم يلحظ بعد إنها ثورة وتمرد على الشعارات والمفاهيم القديمة البالية أيضاً، لأن الشعار الذي يحمله الشعب السوري في ثورته السلمية الرائعة ينادي بـ “الدين لله والنظام والحاكم ورجالات الدولة للجميع”، هي مقولة تعيد للشعوب العربية المسحوقة حقوقها وكيانها وكرامتها، هي مقولة تحمل مبدأً أساسياً غيبته الدكتاتوريات ألا وهو “الشعب هو الحاكم، والحكومة والحاكم هما المحكومان”. ولن ننسى ما حيينا مشهد ليلة أول يوم من شهر رمضان والتي أُطلقت عليها “أهلاً رمضان” حينما اشترك المسيحيون والمسلمون في مظاهرة حاشدة -قبل احتلال قوات الأمن مدينة حماة- بعد أن وقف رجل دين مسيحي في وسط ساحة العاصي وصرح عن رغبته هو وإخوانه برفع الكتاب المقدس في السماء إلى جانب المسلمين الذين رفعوا بدورهم القرآن الكريم، مرددين جميعاً “الله أكبر”. هذا المشهد لعمري يختزل وعي الشعب السوري العظيم ويحرق أوراق الطائفية والفتنة التي يلعب بها النظام ويرد على أشباه المثقفين، حين يعلن عن شعار جديد يتناغم مع عظمة ثورته، ويقول: “الدين لله والحاكم لجميع المواطنين“.
————————–
Sittalsham Alayoubiya