الخلط الساذج بين الأغلبية والديموقراطية هو أهم أعراض مرض الأغلبيات حول العالم، و في بلداننا العربية بينطبق هذا التوصيف على المسلمين، والعرب تحديداً، والسنة تحديداً لتحديداً.
للأسف تتعالى الأصوات اليوم اللي عم “تهدد” بالديموقراطية وأنو الأغلبية هي اللي رح تفوز و “تفرض” رأيها بشكل الدولة وطريقة تنظيمها.
الديموقراطية مانها الديموقراطية الأثينية اللي استثنت العبيد والنساء، مع أنها كانت تعتمد مبادئ التصويت، والاقتراع (يتم اختيار الممثلين بالسحبة… عنجد، يعني منكتب ع ورق أسماء الناس الكفو والتكنوقراط مثلاً لمجال محدد وبعدها منسحب وبيطلع اسم)، والتبديل في مواقع المسؤولية (مثلاً بتصير رئيس أو مدير مدة 72 يوم وبس مما يضمن أنك ما تلزق بالمنصب وأنك ما تحاول تستغل المنصب لمصالحك الشخصية لأنك بعد شوي رايح واللي بعدك رح ينتبه عالحارك أنك استغليت ويحاسبك).
والديموقراطية مانها الديموقراطية الفرنسية بعد الأنوار، واللي ما لبثت أنو نزعت عن المرأة الحقوق اللي نظرت لها الثورة، وسنت القوانين على أنغام المقصلة، وتتوجت بعدين بصعود الامبراطور نابليون.
والديموقراطية مانها الديموقراطية الأوروبية والأمريكية، واللي عم تتناطح بين حزبين كبيرين على شكل هيمنة على البلاد فاذا ما إجى الحمار بيجي الفيل، و إذا ما صعد الفيل كان الحمار، بينما البلاد ترزح تحت ديكتاتورية السوق ورؤوس الأموال والشركات الكبيرة، والشعب مغيب ومستلب وفايت بميتين حيط، وبيقلولك ديموقراطية لأنو فيك تطلع عأي قناة وترسم رئيس الجمهورية ع سطل الزبالة… طيب وطلعت ورسمتو عسطل الزبالة والعالم تفرجت وانبسطت، ورئيس الجمهورية نفسو اتفرج وانبسط… بس شو فيك تعمل بعد هيك؟؟؟ ولا شي أبداً.
الديموقراطية سيرورة، ما بتنتهي أبداً… وهي تراكم.
لا البرلمان ولا مجلس الشعب ولا الكونغرس يعني الديموقراطية، إذا ما حكمت عمله آلية ديموقراطية، والحرية هي الجوهر والأساس لأي آلية ديموقراطية.
تعالوا نفلسف القصة شوي
إذا صوتت الأغلبية العددية على قانون معين وكان في أقلية عددية صوتت بالرفض ف هالشي ما بيعني أنو “أفكار” الأغلبية فازت على “أفكار” الأقلية، لأنو الأفكار ببساطة ما تموت… كمان العدد غير مهم لأنو كل إنسان ما بيمثل عدد بل بيمثل “أفكار”.
لنفرض أنو عنا 100 شخص، صوت منهم 95 شخص على فكرة ما بالقبول، و صوت 5 “فقط” بالرفض ، بس كل واحد لحالو لسبب مختلف عن التاني… لهيك بيكون العدد 5 ما بيمثل 5 أشخاص، بل 5 “أفكار” قابلة لأنو يتبناها ملايين الأشخاص التانيين في وقت آخر…
الديموقراطية إذاً كمفهوم حتى اليوم مانو ناجز و مانو صالح لكل زمان و مكان، هو عملية بناء و تراكم مستمرين.
هناك من يطبق نسبة 50+1 ليحسم الأمر، و ينسى أن الـ 49 الباقين قد يكونون 49 فكرة مختلفة.
هناك من يطبق نسبة الثلثين إلى الثلث، متناسياً أن الثلث أيضاً هو أفكار وليس نسب.
هناك من يقترح نسبة الأربع أخماس مقابل الخمس… و أكرر نفس الكلام السابق.
دائرة النسبة تضيق وتضيق حتى تصل إلى أن شخصاً واحداً أمام الباقي هو فكرة أمام فكرة، و ليس 1 أمام 99.
كيف منتخذ القرارات إذا؟
منتخذ القرارات الغير ملزمة على المستوى الشخصي فيما يتعلق بالحياة الإجرائية، مثلاً قرار منع زواج المسلمة بغير المسلم إذا لم يعتنق الإسلام، فأنت غير ملزم بالقرار على المستوى الشخصي إذا ما اتفقت معه والقرار ما بيجبرك على تغيير دينك لتتزوج بمسلمة إذا كنت يهودي أو مسيحي أو بوذي أو يزيدي… إلخ ليش؟
هون بيكمن جوهر الدولة كفضاء حيادي ملك للجميع، بيعامل الجميع كبشر وليس كانتماءات دينية أو طائفية أو جنسية أو قومية أو عرقية أو لغوية… إلخ، إذن الدولة رح تشوف زواج المسلمة بغير المسلم مو من المنظور الإسلامي وهي طبعاً ما بتحرم ولا بتحلل، بل بتحترم الإنسان، فإذا كانت الإنسانة المسلمة ما بتهتم بأنو يغيير الآخر دينه ليتزوجها فالدولة بتحترم وبتحمي رغبتها ضد كل مين بيحاول إرغامها على فعل شي هيي مابدها تعمله. هذا هو المعنى العميق والبسيط للقانون والدولة العلمانية. العلمانية مانها دين (لكنها قابلة أن تتحول الى دين متل أي منظومة أفكار بتبلش تسكر ع حالها، وتحلل وتحرم)، العلمانية هي الضامن لتكون الدولة مكان حيادي بيتعامل معك كإنسان وفقط إنسان. بالمقابل مثلاً الدولة الإسلامية رح تفرق بين مسلم وغير مسلم، ومع كل الإحترام للعدالة الإسلامية اللي شهدها التاريخ فأنها فرقت دوماً بين المسلم وغير المسلم (جزية و… و… إلخ)، والإنسان لا يولد مسلماً أبداً، لأنو غير قادر على القرار لما بيكون عمرو شهرين، بل بيصير مسلم لأنو أبويه مسلمين ولأنو عيلته مسلمة ولأنو مدرسته مسلمة ولأنو… إلخ، الإنسان ومتل اللغة نفسها ما بتقول، بيولد إنسان وبس…
طيب وشو منعمل ع مستوى الاقتصاد والسياسة وكل هالمجالات؟؟ هادا قابل للنقاش لأنو متل ما قلت سابقاً الديموقراطية اللي جوهرها الحرية الحقيقية، مانها مفهوم ناجز وخالص وبس علينا نطبقو… أهم شي أنو نفهم شغلتين: أول شغلة أنو الدولة ما بتجبر حدا يعمل شي، الدولة بس بتحمي خيارات افرادها، وتاني شغلة هيي أنو الدولة لازم تكون علمانية، بمعنى أنو فضاء حيادي وضامن للكل أنو يعيشو سوا تحت سقف الحرية… هي الحرية مو متل ما عبولنا مخنا أنو تنتهي لما بتبلش حرية الآخر لأنو هيك صارت حرية محدودة ولهلق الفلسفة عم تشتغل عهالمفهوم وما خلصت الحوارات والنقاشات… بل متل ما كان يقول مانديلا: حريتك وحريتي غير منفصلتين أبداً… والحرية وحدة للكل.
وسوريا المستقبل هيي سوريا الإنسان وبس.
عاش الانسان ويسقط أي نوع من أنواع الاستبداد.
————————
شالوق مصياف