صديقي الغالي و العزيز، أود أن أكتب لك هذه الرسالة من باب المحبة و الحرص و الخوف علي مستقبل العلويين في سوريا وأنا على يقين بأنك على علم تام بصلتي القوية بالكثير من الاصدقاء المقربين من أبناء الطائفة العلوية الكريمة وبأني لا أحمل لأبنائها الذين قضيت ليالي كثيرة في ضيافتهم وكرمهم إلا كل محبة و خير.
صديقي العزيز… إن قلوبنا لتخشع و عيوننا لتدمع من مشاهد الموت و الدمار والجرائم التي تقترفها قوات الأمن الفاشي و بعض فرق الجيش بحق بني جلدتهم من السوريين الذين خرجوا سلميا للتظاهر ضد الظلم و الاستبداد، ولكني يا صديقي على كامل القناعة بان العلويين مظلومون في هذه الأحداث، فهم و بحكم زج الكثير من ابنائهم من قبل الرئيس السابق حافظ الاسد في أجهزة القمع باتوا موضع ملامة من قبل شرائح واسعة من المجتمع السوري في طول البلاد و عرضها نتيجة الجرائم التي تقترفها الأجهزة الأمنية بحق باقي أبناء الشعب السوري في درعا و حمص و إدلب و حماة و دير الزور و الميدان و ريف دمشق و اللاذقية وغيرها بحكم ان هذه الأجهزة الدموية مشكلة بالأغلب من ابناء الطائفة العلوية.
إني أعود للتاكيد بانهم مظلومون لأن الكثير من الشعب يظن أن هذه الجرائم ترتكب من قبل العلويين و بأنها تعكس حقيقة و طبيعة العلويين ربما ظنا منهم بأنهم تربوا على العنف وأنا و بحكم قرابتي منهم و صداقتي مع الكثير من ابنائهم اعرف بان هذا غير صحيح و بأن هذه الأجهزة هي من ربت عناصرها بهذه الطريقة الإجرامية و بانه و بغض النظر عن دين أو طائفة عنصر الأمن فهو سيتصرف بنفس الطريقة الهمجية إن كان قد تربى في بيئة هذه الأجهزة. إن هذه الجرائم لا تمت للبشرية و الانسانية بصلة و يجب علي كل من يشاهدها و في قلبه ذرة من ضمير التبرؤ منها و إدانتها باقسى الكلمات و هو أضعف الايمان.
أعرف بأن البعض قد يجادل بوجود عصابات مسلحة متامرة و يحاول تبرير بعض هذه الأفعال بضرورة قتالها ولكن و مع عدم الانكار لوجود بعض الحالات المعزولة من قبل البعض للدفاع عن النفس في بعض الأماكن فإن لا احد يصدق روايات العصابات المسلحة لا داخليا و لا خارجيا و لعل منظر مئات الألاف من المتظاهرين السلميين في ساحة العاصي لعدة أسابيع ثم منظر الدبابات تحتلها و الكثير من الصور الأخرى التي لا مجال لسردها هنا لأكبر دليل علي دوافع و أهداف اقحام الجيش في المعركة و الذي شكل إهانة كبيرة لصورة هذا الجيش الذي تغيرت عقيدته من حماية الثغور و استرجاع الارض المحتلة الى احتلال المدن و قتل و إذلال الشعب السوري او على الاقل جزء منه ممن شاء ان يعبر ولو سلميا عن رأيه بمعارضة النظام. ان اكثر ما أخشاه هو حدوث حالات انتقام من العلويين بسبب تحميلهم وزر ما يقوم به النظام و أجهزته الأمنية من مجازر و لذلك و تحسبا للأسوء، و للإبقاء على خط الرجعة في حال سقط النظام علاوة على كونه عملا أخلاقيا وواجبا شرعيا أولا و قبل كل شئ فإني اقترح أن يقوم عدد من كبار شيوخ ومثقفي الطائفة العلوية بإدانة اعمال القتل التي ترتكبها الاجهزة الأمنية وبعض وحدات الجيش و بان يتم توجيه نداء مصور من قبل هؤلاء الشيوخ و المثقفين لعناصر هذه الأجهزة عامة ومن يخدم فيها من أبناء الطائفة العلوية خاصة كي يتجنبوا تعذيب او إهانة المدنيين و المتظاهرين السلميين علاوة علي قتل اي نفس بريئة لان هذا من صميم أخلاق الطائفة ذات التاريخ العريق بالوطنية قبل وبعد صالح العلي و أمثاله ممن يفخر كل السوريين بانهم من ابناء جلدتهم.
قد أتفهم بألا يدرك بعض البسطاء في قرى الساحل و الجبل ما يحدث من قبل بعض الأجهزة الأمنية من مجازر و تجاوزات قل مثيلها في تاريخ البشرية إما لغياب وسائل الإعلام العالمية عنهم أو لعدم الاختلاط بأشخاص من خلفيات متعددة لكن عتبي على المثقفين الذين اختاروا الصمت بل وحتى الدفاع بطريقة أو أخرى كايجاد الاعذار لهكذا ممارسات مقززة. كما أنني قد أتفهم ان البعض ممن يدعم النظام لا يزال يأمل بأن النظام قادر على إصلاح نفسه رغم قناعة الكثيرين بأنه وبعد كل هذا القتل و الاجرام أصبح من الصعب القبول باستمرار النظام أو قياداته الحالية باي شكل من الأشكال و لكن حتى لو كان هؤلاء من المؤمنين بإصلاح النظام فهذا لا يعفيهم أخلاقيا من إدانة التصرفات و الممارسات التي تقوم بها بعض أجهزته و التي لا يرضى بها دين ولا أخلاق. ان على المثقفين من الطائفة العلوية ان يتذكروا بانه لا يوجد نظام على وجه التاريخ استمر الى ما لا نهاية و بالتالي فان هذا النظام قد يرحل وقريبا لكن العلويين كشعب باقون و عليهم بالتالي الحفاظ على تعايشهم مع باقي افراد الشعب السوري و هذا لا يتم دون إدانة و التبرؤ من اعمال القتل و الترويع التي يرتكبها البعض من ابنائهم و يحمل وزرها بقصد او بغير قصد كامل ابناء الطائفة. ان الوقوف الى جانب نظام عرفه القاصي و الداني بفساده و استبداده خاصة بعد ارتكابه كل هذه المجازر يضع علامات استفهام كثيرة عن سر هذا المساندة و ما ان كانت تقوم على اسس طائفية و هذا ما يزيد من حراجة موقع العلويين و بالتالي الحاجة كي يقفوا مع انفسهم وقفة مراجعة و مصارحة مع الذات اولا و مع باقي مكونات الشعب السوري تاليا.
مرة أخرى يا صديقي هذا رأي شخصي من انسان صادق و محب لكنه قائم علي تحليل عميق للواقع كما لمسته من الكثير من السوريين على اختلاف مشاربهم و مللهم. كلي أمل أن تستغل هذه النافذة المفتوحة من العقلاء ذوي العقول الراجحة قبل أن يسبق السيف العذل وتمنياتي بالخير لجميع السوريين و الله ولي التوفيق وهو من وراء القصد.
——————————
د. احمد الصفدي، كاتب من سوريا