تفاجأ المتابعين للشأن السوري، بإعلان بعض الناشطين من أنقره تشكيل ما سمي بالمجلس الوطني الإنتقالي وبقراءة برنامج عمله السياسي. وقد جرى الإعلان عن الأسماء المشكلة لهذا المجلس والتي تضم ثلة من خيرة الوجوه السياسية والثقافية السورية إلى جانب بعض أسماء بعض الطارئين على العمل السياسي السوري المعارض. والطريف في الأمر ليس فقط أن معظم هذه الأسماء لم يتم استشارتها بمثل هكذا خطوة، بل جرى الضغط المعنوي عليها عن طريق تحميلها المسؤولية التاريخية لإفشال هكذا مجلس، إن هي رفضت المشاركة بنشاطاته. وما يزيد الطين بلة أنه جرى الإعلان عن أسماء القادة ونوابهم بعيدا عن أي عملية ديموقراطية إنتخابيه وبعيدا عن أي مشروعية شعبيه
وبمعزل عن النوايا الحسنة التي قد تكون موجودة لدى بعض القائمين على هذه الفقاعة الإعلامية التي ولدت ميتة، فإن مثل هكذا خطوة إذا دلت على شيء فعلى رغبة بعض القوى والشخصيات السياسية في الخارج على مصادرة الثورة وسرقتها من أصحابها الحقيقيين الموجودين على الأرض في الداخل على تنوع انتماءاتهم المناطقية والعمرية واختلاف توجهاتهم السياسية.
لا أحد ينكر حاجة الثورة في مرحلة ما لقيادة موحدة ولوجوه وبنى مؤسساتية تكون قادرة على تمثيلها وعلى النطق بإسمها وإيصال رسالتها للمحافل الدولية ولوسائل الإعلام العالمية والعربية. لكن هذه الحاجة لا تعني بأي شكل من الأشكال حرق المراحل والتهور في أعمال صبيانية، لا تفعل شيئا آخر سوى زيادة البلبلة والإساءة إلى الثورة وإضعاف مصداقيتها
السؤال الأساسي المطروح هنا هو ما حاجة الثورة الآن لمجلس إنتقالي؟ وأليس في التسرع بمثل هكذا العمل، خطر نقل الثورة السورية من الآفاق التونسية والمصرية إلى الفخ الليبي؟ وهل سأل أحدهم نفسه أين كان مثل هكذا مجلس انتقالي وأين كانت وحدة المعارضة في الحالتين التونسية والمصرية. إن وحدة القوى المعارضة لا تكون إلا في العمل الميداني من أجل استمرار المظاهرات وتطوير وسائل النضال السلمي حتى إسقاط النظام.
إن شباب وشابات سورية الثائرين، ليسو بحاجة لآباء روحيين ولا لقادة كاريزماتيين ولا لإيديولوجيا موحدة وشمولية، حتى يمضو قدما في طريقهم من أجل إسقاط النظام.
إن المطالبة في هذا الوقت بتشكيل قيادة موحدة في الخارج وبمعزل عن أي صفة تمثيلية وعن أي مشروعية شعبيه، لا يمكن له إلا أن يدخل الثورة السورية في مزاد لعبة الأمم ويبعدها عن استحقاقاتها الداخلية الحقة.
لا أحد ينكر حق القوى والشخصيات السياسية المنفية في الخارج في المساهمة الفعالة بالثورة السورية، لكن هذا لا يكون من خلال نقل ثقل هذه الثورة من الداخل إلى الخارج عن طريق الحسابات السياسية الضيقة والمناورات الإنتهازية والطموحات الشخصية المنفلتة العقال.
وإنا هنا إذ أسمح لنفسي بمثل هكذا نقد، فالأنني كنت وسأظل كاتبا صحفيا، لا أتقن سوى مهنة الكتابة واسعى جاهدا لتوظيفها في خدمة ونقد الثورة ولن أتنازل عنها مقابل أي عمل تنظيمي أو سياسي مهما كانت أهميته وضرورته
من هنا ساسمح لنفسي بالقول أن هذه الثورة هي ثورة الشعب السوري في داخل وخارج البلاد، لكنها انطلقت من الداخل وستنتصر في الداخل. وأهلا بالخارج إذا كان يدفع في هذا الاتجاه.
——————————-
محمد علي الأتاسي