عصابات الشبيحة هو مصطلح دارج سوري شاع استعماله منذ منتصف الثمانينات للدلالة على عصابات تهريب و سرقة غير نظامية محمية بنفوذ كبار المتنفذين في النظام الأسدي السوري إما بسبب علاقتها بعائلة الأسد أو بسبب دعمها المباشر من أحد المتنفذين. هذه العصابات التي تقوم على أساس من المصالح و العلاقات التسلطية لضمان أعمالها حولت سوريا ككل لمحمية لهذا النوع من الأعمال محمية من قبل أجهزة الأمن السورية ، و ما قامت به الثورة السورية هو كشف النقاب عن هذه الحقيقة و خطورتها ، مما يجعل كامل المجتمع السوري أمام تحدي إما نجاح الثورة و التعامل مع هذه العصابات قبل الدخول في دوامة النظام الرسمي المافيوي (روسيا نموذجا) أو إقامة دولة عدالة وحقوق إنسان .. أما فشل الثورة فسيكون وبالا على سوريا نظاما و مجتمعا و على المنطقة بأسرها.
الحقيقة ببساطة و كما يعرف معظم السوريون أن هذا اللقب كان يطلق على المتملقين لأولاد المسؤولين حيث أنهم يمضون وقتهم بأمور فارغة على الأغلب كالتجول بسيارات فارهة في وقت لم يكن من المسوح فيه استيراد السيارات في سورية. مشاكل و أزمة الثمانينات عززت الرغبة عند مسؤولي النظام لاستعراض القوة و فرض شعور الخوف على المواطنين. هذه الممارسات كانت تزداد خطورة يوما بعد يوم أفقيا من ممارسات ارهاب و تخويف للمواطنين شملت مجالات التعليم و المرافق العامة، من ارهاب للمدرسين و تسريب اسئلة امتحانات. من هنا بدأت تنشأ شبكة علاقات اجتماعية قائمة على النفوذ و السلطة و التسلط على رقاب العباد، لتتطور لاحقا لتعزز سلطتها و سيطرتها على دائرة الأموال و الأعمال. تطور الشبيحة لاحقا مع الزمن فأولاد المتنفذين أصبحوا رجال أعمال من الدرجة الأولى بشكل مباشر أو غير مباشر و اصدقائم هم واجهات أخرى لأعمال أخرى و مشاريع تجارية و صناعية .. و لم يعودوا شبيحة بل أصبحوا رجالا مهمين بربطات عنق. هناك من يقول أن أصل الكلمة أيضا نشأ في وقت لاحق بشراء سيارات مرسيدس فارهة بصفقة ملياري ليرة سورية … هذه السيارات من فئة اس ال (شبيهة بالسيارة التي قتل فيها باسل الأسد المرشح الأساسي وقتها لخلافة الديكتاتور الأب). مع مرور الوقت و انحسار تلك التصرفات عن العلن –مع عدم توقفها طبعا- انحصر هذا اللقب تقريبا بشبيحة اللاذقية و هم عبارة عن عصابات تهريب ز سرقة تتبع شخصيات من عائلة الاسد لذلك لا يجرؤ أحد على محاسبتها. بدأت هذه العصابات أعمالها بتهريب الدخان الاجنبي و انتهت بتهريب المخدرات و الأسلحة.
في الفترة الراهنة فترة الثورة و الاضطرابات، هناك توسع جنوني في أعداد الشبيحة ، فمنذ بداية الثورة عمم الاسم على العصابات الأمنية التي تستخدمها أجهزة الأمن السورية لقمع المتظاهرين السوريين. و يوضح بعض من خدم في سلك الأمن و المخابرات بشكل مؤقت (فترة الخدمة الالزامبة) أن ميزانية الأجهزة الأمنية في سورية خيالية تأخذ حصة ضخمة من حصة ميزانية الدفاع اتي تقدر بدورها بحوالي 80% من الميزانية السورية. في سوريا خمسة أجهزة امنية يتبع لها عددا من الادارات الفرعية و الاجهزة المتخصصة يخدم فيها خريجون من ا كليات الحربية و الشرطة و ينقلون إلى الأجهزة الأمنية حسب ولاءاتهم و اختصاصاتهم. ضباط الأمن هم في عداد الجنود النظاميين حيث ترد اسماءهم في قوائم أفراد الجيش السوري. لكن ضباط الأمن هؤلاء يقومون بتجنيد أشخاص بشكل غير نظامي من المواطنين العاديين للعمل لديهم كعواينية (باللهجة السورية) أو جواسيس مهمتهم القيام بأعمال عادية قد تكون عبارة عن بائع متجول أو عامل تنظيفات أو سائق تكسي أو صاحب كشك سجائر ، بحيث يكون قادر على التغلغل بالحلياة اليومية للناس و المواطنين و مراقبتهم عن كثب. هؤلاء المرتزقة من جواسيس الشوارع لهم رواتب شهرية مقابل التقارير و المعلومات التي يزودون بها رؤسائهم في الأجهزة الأمنية. يحاول معظمهم إخفاء شخصيته الأمنية لكن ازديدا خبرة المواطن السوري بهم و ضحالة ثقافتهم أو أميتهم أحيانا تجعل من كشفهم و السخرية عليهم سههلة جدا و شائعة. يتبعون في الغالب ضباطا أمنيين من رتب صغيرة كمساعدو لا توجد اسمائهم في جداول أو عند الضباط الأعلى رتبة بالتالي تتكون شبكة المخبرين الأمنيين من حلقات مغلقة منعزلة مهمتها مراقبة المواطنين و مراقبة بعضها البعض أيضا. يضاف إلى ذلك أن أجهزة الأمن المختلفة مكلفة أيضا بمراقبة أداء أجهزة الأمن الأخرى ليتكون لدينا نظام أمني حلقي مغلق لا يمسك خطوطه إلا المركزو هو القائد العالم للجيش و القوات المسلحة. هذا يفسر أحيانا تحويل المعتقلين من فرع أمني إلى آخر للتحقيق معهم من جديد. من هنا يمكن تفسير إطلاق كلمة شبيحة ليس فقط على اللصوص المحترفين المدعومين بسيارات الشبح بل أيضا على المخبريين السريين الذين لا يظهرون في جداول الرواتب و ليس لهم بنية هرمية تنظيمية معروفة في وزارة الدفاع رغمأنهم يستنفذون جزءا كبيرا من الميزانية، فهم كالأشباح.
طريقة انتقال الأموال في هذه الشبكات و الحلقات الشبيحية جديرة بالدراسة ، حيث يعطى الشبيحة المخبرين قائمة بأسماء مطلوبين و بجانب كل اسم سعر معين لقاء القبض عليه. و يبدأ السباق للقبض على هذا الشخص و الفوز بالجائزة: قد يقبض عليه مجموعة من المخبرين فيتقاسمون المكافأة ، لكن هذه المكافأة هي قسم صغير من المبلغ المخصص الكامل لهذا الشخص ، فالضابط المشرف على المجموعة يفوز بحصة و الضابط الأعلى رتبة يفوز بحصة و رئيس الفرع الاستخباري يفوز بحصة من المبلغ، كما في أي تسلسل أعمال تجاري عبر وسطاء. و في هذه السلسلة لن يتبقى في النهاية طبعا سوى الفتات للمرتزقة. من هنا نعرف سبب الغنى الفاحش لرؤوس الاجهزة الأمنية و قدرتهم على صرف أموال طائلة مقابل حصولهم على خدمات لفرض الخنوع على المواطنين.
العمل العظيم الذي قامت به الثورة السورية هو إخراج هذه الشبكة الشبيحية من الخفاء للعلن … فقد كشفت الغطاء عن شبكة المرتزقة غير المرئية لتجعلهم مرئيين .. و حولتهم من مخبرين و جواسيس و عواينية إلى قتلة محترفين مرتزقة. و كانوا على أتم استعداد لذلك. النظام السوري اتخذ قرارا من البداية بتبني الخيار الأمني (مع أن التبني حرام شرعا) بدلا من السياسي، تدعمه في هذا خبرته السابقة الكبيرة في مجال الممارسة الارهابية القمعية للشعب و تمرسه بالعنف و أدواته. فعقول كبار الانظام السوري غير مستعدة للتعاطي السياس و التفاوض السياسي للحفاظ على بعض المكاسب مقابل بعض العطايا، فالموضوع بالنسبة لهم إما الكل أو لا شيء .. و إما إعادة استتباب الامور و السيطرة كما كانت أو لا تفاوض دون هذا السقف. من هنا نفهم سبب فشل ادارة الأزمة في نظام لا يعرف شيء عن الإدارة أو حل الأزمات بغير أسلوب العنف، و من هنا فقد فتح معركة كسر عظم مع الشارع السوري المنتفض معتمدا على الطبقات المؤيدة أو الصامتة من طبقة تجار تخاف على مصالحها و ترتبط بالنظام مصلحيا و طبقة أقليات تخاف على مستقبلها أو طبقة صامتة تخاف تداعيات مستقبل مجهول.
خرج الشبيحة للعلن مشكلين عصابات أمنية مرئية و واضحة و تم تسليحهم و تنظيمهم فلم يعودوا أشباحا بعد الثورة إنما زومبي !! الزومبي هي الجثث الحية التي تعود للحياة في أفلام الرعب لتقتل الأحياء و تمص دماهم و تمشي كالمسعور بحثا عن رائحة الدماء. استلمت عصابات الزومبي أسلحة و عبؤوا في باصات نقل داخلي إيرانية لنقلهم بين اماكن الاحتجاجات. ليقوموا بقتل شعب قد ضاق ذرعا بهم و بأسيادهم الجبابرة … شعب فهم معركة كسر العظم الذي أدخله النظام بها و صمم على الصمود محققا سجلا تاريخيا في صموده الاسطوري.
السؤال الأهم في ما يتعلق بعصابات الشبيحة الزومبي … هو ما مصير هذه العصابات و المرتزقة بعد إسقاط النظام؟؟
في حال نجاح الثورة و إسقاط النظام فإنهم سيبقون عالة على المجتمع لأن مهنتهم الوحيدة هي الارتزاق و النهب و القتل. و سيتحولون لعصابات فاقدة للتوجيه و سيعملون بالقتل و الابتزاز و ربما تتطور تنظيماتهم لعصابات مافيوية في بلد سيعاني بالتأكيد من عدم الاستقرار لفترة زمنية معينة. و هذا سيكون بشكل مقصود بعد انهيار النظام. و لذللك لا بد من علاجات اجتماعية لأمراضهم النفسية و المادية من خلال محاكامت رادعة لأن غير هذا لن ينفع مع زومبي ممتهن للقتل و فاقد للشعور الإنساني. أما سيناريو العصابات المنظمة (المافيا) فهو شبيه فتطورات المشهد الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي و تحول عصابات أجهزة الأمن مع بعض رجال الأعمال القذرين لعصبات جريمة منظمة و تحويل النظام لنوع من الديمقراطية القذرة.
اذا تم القضاء على الثورة و قمعها، فستتحول هذه العصابات لطلب أثمان غالية من أسيادهم باعتبارهم أصحاب الفضل الأكبر…. و إذا لم يكن كافيا في ظل توجه لمحاولة إصلاح فسيصطدمون بالنظام و زعمائه من جديد، أو سيتم إطلاق قبضتهم بما سيقوض النظام أكثر و أكثر … و في الحقيقة لم يكن الثمن المقبوض لهكذا عصابات كافيا في يوم من الأيام … و محاولة باسل الأسد تقليم أظافر الشبيحة قبل مقتله تضع علامات استفهام إذا كان موته حادثا قدريا أو عملية مدبرة كما يتحدث البعض!! بالتالي بعد ان فتح الباب للشبيحة باستباحة كل شيء … سيكون من الصعب إعادة ترويضهم من جديد و سيكونون العبء التالي على النظام في حال نجاح خطته الأمنية. و عودة الهدوء لن تكون أبدا لمصلحتهم. تمتليء كتب التاريخ بأمثلة عن قتلة شركاء بالجريمة يتحولون لأعداء و يبدأون في تصفية بعضهم الآخر .. و هذا ما سيحدث فإما أن يتبرأ رؤووس النظام بعد الثورة من ممارسات الشبيحة و يبدأون في محاسبتهم و التملص من المسؤولية تجاهههم أو يجدون لهم ساحة خلفية في بلد مجاور ليمارسوا جرائمهم و نبهلهم هناك – و هو ما يعيد للذاكرة ما تم في منتصف الثمانينات و طوال عقد التسعينيات من قتح الساحة اللبنانية لزومبي و شبيحة النظام الأسدي –
عصابات الشبيحة أو الزومبي … معضلة لسوريا الوطن ككل .. شعبا و نظاما .. و سؤال للمستقبل كيلا نعيد تجارب الماضي المريرة و لا نكرر تجارب أوروبا الشرقية في اختلاق ديمقراطية عرجاء.
—————————–
شباب من أجل سوريا
الرابع من أيلول 2011-09-04