في يوم من الأيام، كانت بداية أيلول، وكانت نهايته…
هو… طفل صغير يلعب أمام باب بيته… حافي القدمين… يخشى من الابتعاد
كثيراً، وصوت أمه يرتفع كل قليل من الداخل ليطمئن على وجوده في الجوار،
مختلطاً بأصوات أخوته الصغار… يراقب الأطفال الأكبر منه سناً وهم
يلعبون في الملعب على بعد شارعين، لكنه لا يجرؤ على الانضمام إليهم،
ويفضل البقاء أمام باب البيت، وحيداً…
هو… مراهق يكره كتب الرياضيات والفيزياء، ويحب قراءة الشعر… كما يحب
مراقبة الفتاة التي يراها كل يوم في نفس المكان وهو عائد من المدرسة…
يحب أن يراقب تعثر خطواتها الخجولة، ويعود مساءً كي يحلم بها… فتاة ذات
شعر أسود طويل مضفور وعينين باتساع بحر لم يره يوماً… باتساع حلمه
الصغير…
هو… شاب حصل للتو على شهادته الثانوية، وقرر الالتحاق بخدمة العلم،
هرباً من فقر ومستقبل مجهول حتى الآن… حزم أمتعته القليلة، ودع أبويه
وأخوته وذهب ليمضي حوالي السنتين من حياته في مكان لا يعلم عنه شيئاً ومع
أناس لم يلتق بهم من قبل…
هو… أيقظوه ذات ليلة من نوم عميق… قالوا له: ها هم أعداؤنا،
فلنحاربهم… ارتدى ثيابه على عجل ووضع الخوذة على رأسه وخرج… وجد
شباناً وفتياناً يهتفون، بحث عن الأعداء فلم يجدهم… قالوا له ها هم
أمامك فاقتلهم… ضغط على الزناد وأطلق، فسقط اثنان منهم قتلى، وعاد هو
لينام مرتاحاً، بعد أن انقذ وطنه من الأعداء…
هو، وبجهد كبير استطاع أن يذهب إلى البيت في إجازة لمدة يومين… وهناك
عرف… عرف من هم الأعداء… وعرف من قتل قبل ثلاثة أسابيع… ومنذ تلك
اللحظة لم يعرف النوم إليه سبيلاً…
عاد إلى ثكنته، إلى فراشه وبندقيته المغطاة بالدماء… أيقظوه ذات يوم من
نوم عميق وقالوا له: ها قد جاء الأعداء، فلنذهب لمحاربتهم… ارتدى ثيابه
وخوذته، ودع أشياءه وخرج… وهناك، في ذلك الشارع الطويل رآهم… كانوا
أمامه، أولئك الذين يهتفون للحرية، وكانوا وراءه، أولئك الذين أيقظوه من
نومه كي يقتل أبناء وطنه… وفي اللحظة التي أمروه فيها بأن يطلق النار،
لقم بندقيته، واستدار إلى الخلف وأطلق، فأردى خمسة قتلى من الأعداء…
وفي اللحظة ذاتها، ضغط عشرة من الأعداء الزناد وأردوه قتيلاً… لمح
الهاتفين بالحرية وهم ينظرون إليه بعيون مليئة بالدهشة، والحب… فغادرت
روحه بسلام…
في يوم من الأيام، كانت لأيلول بداية، وكانت تلك نهايته…
———————
بقلم: فتاة دمشقية