سلسلة تلخيصات ثورية – المقال رقم 4
هذا المقال يتناول حدود العنف في الثورات السلمية. أرجو أن يجد القارئ فيه الفائدة.
من المعلوم أن الأنظمة المتسلطة تفضل دوما أن يستسلم الشعب للقمع وألا يظهر المقاومة. لكن إذا أظهر الشعب المقاومة فإن الأنظمة المتسلطة تسعى لأن يختار الناس المقاومة العنيفة. إنها تجد نفسها أقدر وأكثر خبرة في التعامل مع المقاومة العنيفة منها في التعامل مع المقاومة اللاعنيفة الذكية. لذلك فإذا قدر لها الاختيار لاختارت التعامل مع الآلة العسكرية بدلا من التعامل مع الشعوب!
لنأخذ مثال الجندي العنيف المدرب على أن يتعامل مع خصم عنيف وبالتالي فعند أول احتكاك يستعد لتنفيذ ما تدرب عليه. لكنه يفاجأ عندما يجد أمامه مجموعة من العجائز والنساء يمسكن ورودًا أو يتلون آيات أو ينشدن نشيدًا وطنيًا. حينها سيفكر كثيرًا قبل أن يقمعهن وحتى إذا قمعهن فماذا سيفعل عندما يعود إلى بيته ويهم بالنوم فصورة العجائز لن تفارق مخيلته. وبذلك يبدأ سلاح اللاعنف في العمل حيث يهدف إلى تقويض قوة الحاكم ويجعل أدواته لا تعمل ولا تستجيب له.
و في المقابل نلاحظ أيضا خطأ شائعا لدى بعض نشطاء اللاعنف حين يرددون أنهم لن يلجأوا إلى القوة وهذا يضعف موقفهم كمقاومة جادة في مقاومة الطغيان. إذ الحق يتطلب قوة تحميه وتمكنه من الهيمنة على الأرض. لذلك يجب أن يعلنوا أنهم لن يلجأوا إلى القوة العسكرية وسيستخدمون قوة أكثر تأثيرا هي قوة العصيان والمقاومة المدنية بهدف حرمان النظام المتسلط من دعم الشعب له فيسقط صريعا.
في بعض الأحيانا تقتضي الضرورة استخدام العنف –كرمي الحجارة و حرق مركبات و ليس حمل السلاح- في مرحلة مرتبطة بمرحلة الحسم النهائي. لكن إذ استخدام العنف في المعارك الأولى في الثورة المدنية فإنه يفشل القائمين عليها ويصورهم كإرهابيين فيخسرون الشعب والأطراف المتوقع دعمها. كما يفقدون قدرتهم على إدارة الصراع فهم يواجهون الخصم في ملعبه وهو مدجج بأفضل أسلحته. وعادة ما يعطي قليل من عنف المقاومة الذريعة لعنف مضاعف من قبل النظام المستبد فيزداد ضحايا القمع.
و في حالات خاصة جدا يجد النشطاء أنفسهم متورطين في حمل السلاح لتأمين الحماية حين يتخلى النظام عن مهام الدولة! و يجب حينها أن ينظر للموضوع باعتباره أقرب لعمل تسوية مع العنف. لكن كلما تطورت الوسائل اللاعنيفة وعكف العقل على وأد العنف كان ذلك أفضل. فاللاعنف يجب أن يسعى للسيطرة على العنف وتقليصه إذ أن فرص تجنب العنف تزيد بشكل كبير كلما أبدع ذكاء الناشط الثائر في تطوير تقنيات اللاعنف.
إذن لا يجب على نشطاء الثورة المدنية الاستسلام لتلك الحالات الخاصة التي تجعلهم يتورطون في استخدام العنف و خصوصا المسلح منه. فالعنف الشعبي له تكلفته العالية على المجتمع و من الضروري العمل على إيجاد بدائل لاعنفية له. و يجب في كل الأحوال أن تظل السمة الغالبة للثورة المدنية في أنها لا ترتكز على العنف و ذلك بالعمل الجاد على ابتكار أدوات تضاهي تأثير العنف من حيث التأثير في وعي الخصم و أيضا توقف أفكار العنف من التسرب إلى عقول المقاومين.
إذن هل يمكن حماية فعاليات الثورة السلمية بالسلاح؟ الجواب: لا حاجة لهذا التورط بالعنف إذ من الممكن جدا ابتكار استراتيجية للمقاومة المدنية فاعلة في إسقاط النظام و في نفس الوقت تتجب الحاجة لاستخدام العنف. المقال القادم و الأخير في هذه السلسلة سيعرضا نموذجا لاستراتيجية يمكن تفيذها لإسقاط النظام و تجنب القمع معا دون الحاجة للتورط في حمل السلاح.
للاستزادة يمكن الرجوع للمصادر المذكورة في نهاية المقال الأول و الثاني و الثالث من هذه السلسلة و خصوصا كتاب أسلحة حرب اللاعنف.
_______________
مندس استراتيجي