ما يثير فيني التساؤلات ويدغدغ تفكيري هو سؤال واحد يحيرني : هؤلاء الذين يتعرضون للتعذيب في غيابات السجون واؤلئك الذين يودعون أحبابهم في منازلهم بابتسامة ويخرجون بصدور عارية وهو يعلم قد لايعود ويراهم. وتلك الزوجة الصابرة التي ودعت عريسها وحبيبها. وتلك الأم العظيمة التي تمسح دموعها وتودع ابنها الشهيد بدعاء أن يجعله الله فداء من بقي من الشباب. واؤلئك الأطفال. ما انتم؟ من أي مادة قد خلقتم؟ هل أنت أيها السوري المنتفض بكل شي …
ناسوتي ( إنسان ) أم أنت لاهوتي (روحاني ) ؟
إن قلت أنكم …ناسوتي لاهوتي ..
نصفكم ناسوتي ونصفكم لاهوتي …قد فديتم الوطن بأجسادكم وقد علمتمونا بنصفكم اللاهوتي شريعة الفداء والتضحية وبقيتم أحياء بيننا .
نصفكم الناسوتي قد ارتقى ليكون إله . ونصفكم اللاهوتي قد تواضع ليمشي بيننا على الأرض بشرا ولكن ليس ككل البشر .
ما يهمني من هذه المقاربة هو التوضيح الذي لابد له :
هو توضيح الخطاب الخاص إلى العام في ما يتعلق بالطبقة المثقفة سواء الموجودة على ارض الواقع داخل الوطن في الشارع مشارك أو المتواجد في الخارج .
هذا الخطاب بكل مفاهيم الموجودة على الساحة السياسية الاجتماعية وفي ظل كل هذا الحراك السياسي للمعارضة سواء حراك فاشل أو ناجح لكنه يصدر بالأخير خطابا موجها إلى الفرد المتواجد في ساحة العمل الحقيقي.
وهناك يمكن باختصار شديد إن اقسم الخطابات إلى أنواع :
1- خطاب عملي موجه إلى قلب الحراك الشعبي في تقديم الحلول ومقترحات وشعارات وتوجيه سياسي وحراكي وتقديم حلول للخروج من مأزق:
هنا الخطاب يكون موجه للفرد بكل كيانه جانبه الناسوتي وجانبه اللاهوتي هو يخاطب الفرد بعقلانيته المتكاملة.
2- خطاب ترويجي أعلامي دعائي :
يلقى تعاطف ورواج في الشارع لكنه غير دائم وغير حقيقي لأنه في اغلب الأحيان يكون بمثابة الماكياج للشخص المتحدث. وهنا يكون الخطاب موجها من إنسان (وهو المتحدث ) إلى الجانب اللاهوتي في الفرد السوري لكن بدون عقلانية .
3- خطاب فردي:
يحمل بين طياته كل ما لا يمت بهذا الشارع بشي لكنه شخص أو تيار قد ركب الموجة ولقي ساحة إعلامية.
4- خطاب سياسي إعلامي:
يحمل من العقلانية السياسية ما تجعلها ترتقي إلى مستوى الخطاب السياسي الحكومي يخاطب فيها الجانب الناسوتي . دون مراعاة الجانب اللاهوتي . وهنا يمكن إن يكون تقيم الشارع له ظالما في هذه الفترة لان الجانب الروحي يملك من المساحة الجزء الأكبر مما يغيب العقل في كثير من الأحيان .
من هنا أرجو أن أوضح لنفسي ولكل من يمر على هذه الكلمات
الخطاب السياسي ما هو وكيف نستطيع توجيه البوصلة نحو الخطاب السليم ؟
الخطاب السياسي : هو عبارة عن منظومة فكرية تتراكم فيها المفاهيم ويتناول ميادين معينة يسمح بتعايش التناقضات والتعارضات وهو أشبه ما يكون بخطاب تحالفات بين مفاهيم مجتمعية على درجات مختلفة من الاجتماع والاختلاف .وكلما تميز بالتنوع والتعدد كلما أصبح اقرب إلى الديمقراطية والواقعية .
أما الخطاب العلمي : هو خطاب منهجي يتطلب تماسكا داخليا .
ولننتبه على كلمة تماسك الداخلي التي تغيب عن الخطاب السياسي. عندها المواطن البعيد عن علوم السياسة وعن الممارسات السياسية. يحكم على الخطاب السياسي من هذه الناحية بعدم تماسكه الداخلي .
وهذا الأمر واضح في الوضع السوري اليوم. فكثير من السياسيين يوجهون الخطاب بشكل علمي منمق. جميل متماسك يخدع المواطن. لكن يمكن إن نتفاجأ به نفسه يوجه خطابا سياسيا فيما بعد لا يملك هذا التناسق . لأنه يحقق المعادلة الحقيقة في الخطاب السياسي من خلال معادلة التناقضات .
لذا ليس كل خطاب سياسي متماسك داخليا هو خطاب سليم . وليس كل خطاب سياسي فيه تناقضات اجتماعية وفكرية هو خطاب فاشل .
———————
Adnan A A