نسمع كثيرا تحليلات عن الثورات العربية وأسبابها وشكل التحرك ودوافعها وغيرها … واختلافات الثورات العربية في شكلها اللاحق بعد نقطة البداية هي اختلافات في شكل الدولة الراهنة قبل الثورة وطريقة تعاملها مع الوضع وعوامل أخرى من جيوسياسية وأمنية وحجم هذه الاختلافات أدت إلى الاختلاف في مجمل الحركات وأشكالها من دولة وأخرى .
لكن في الوضع السوري في هذه الفترة العصيبة التي نمر فيها كسوريين نتأمل أن تؤدي الثورة أهدافها وفي ظل هذا التململ واليأس الذي بدأ يجد طريقه نتيجة هذا الصمت الإنساني والفشل السياسي للمعارضة السياسية لتاريخة؟
لا بد أن نفهم جانبا مهما يتضح في الفرق بين
الثورات بين القديم والحديث في منظور علم الاجتماع السياسي ؟
الثورات دوما تملك عنصرين مهمين احدهما يسبق الأخرى في كافة الثورات القديمة التي عرفتها البشرية ودرسها التاريخ في منظور علوم الاجتماع السياسي وهما :
1- وجود قيادة سياسية فكرية متمثلة في شخص أو حركة أو تيار ما.
2- وجود أيديولوجيا مغذية للشارع فكريا حركت الشعب وفقا لهذه الايدولوجيا.
ودائما كانت القيادة تفرض الايدولوجيا وتبلورها ثم تعمل على طرحها وتعبئة الشارع العام ، فتثور من خلال ايدولوجيا موضوعة مستمدة من احتياجات الواقع بقيادة متبلورة سابقة .
ويعود أسباب هذا الترتيب في هيكلية الثورات إلى قلة الوعي الشعبي وسيطرة الطبقة المثقفة التي تختصر على شريحة معينة من المجتمع حتى فترة ليست ببعيدة . واحتياج الشارع دوما إلى طبقة مثقفة ترتب صفوفه في أغلب الأوضاع ، وهذا ينطبق على الثورات التي تشمل طبقات المجتمع المختلفة ولا تختصر على شريحة واحدة فقط .
في الحالة السورية :
لنتناول أهم عنصرين للثورات في الحالة السورية أسباب غيابها ودوافعها وتطورها عبر الوقت الطويل الذي مرت فيه :
1- الايدولوجيا الثورية :
لاشك أن الايدولوجيا التي رافقت الثورة هي سر قوة هذه الثورة وهي سر بقائها واستمرارها لهذه المدة ومازالت ( وهذا دافع الأول للتفاؤل لكل من بدأ يشعر بالملل والإحباط ) .
– تتمثل الايدولوجيا الثورية المرافقة للحراك عن نقاط ثلاثة : حرية … كرامة … مساواة … وهي كلمات صغيرة لكنها في كافة ميادين علم الاجتماع ( سياسيا أو اقتصاديا ) وهي ناتجة عن مشكلة أساسية تختزل كل أسباب التي أدت إلى هذه الثورات في العالم العربي وهي :
تطور العنصر البشري في الشرق الأوسط ( الإنسان ) ليصل إلى درجة علمية وثقافية وفنية وإبداعية . وبنفس الوقت تراجع الحيز العام اجتماعيا وسياسيا ومؤسسات علمية وفنية واقتصادية إلى درجة من التخلف المقيت مع عنصر ثالث وهو العنصر السياسي المحرك لهذا المجتمع والمؤسسات بشكل يكرس فقر وتخلف البيئة العامة .
هذا التناقض والانفصال بين الإنسان وبيئته وانعدام المساحة التي يستطيع أن يمارس فيها إبداعه الفكري والعلمي ، أدى إلى حالة من الكبت واليأس في المزاج العام
وهنا اطرح طرحا هاما في منظوري :
الإنسان الشرقي هو إنسان روحاني متعلق بالرب والمعتقدات الدينية على اختلاف ديانته . وهذا الرابط الروحي يجعل دائما من الإنسان متفائلا ومتأملا الخير والتغير . مما جعل هذا الكبت الخارجي أن يدمر الإنسان أو يشل من إبداعه خارجيا لكنه بقي داخليا حيا متفائلا ينتظر اللحظة المناسبة . ( وهذا رد على أي سؤال لماذا لم يتحرك الشعب سابقا ) .
كل ماذكر شكل الايدولوجيا التي تنص : ان الإنسان في هذه المجتمعات استحق كل ما هو متوفر في مجتمعات العالم من خدمات ومتطلبات وكماليات وخاصة ضمن الغنى المالي والفكري والتاريخي لمجتمعي . فكانت الثورة على أساس انأ اعرق وأعظم من أن اختزل وأهمش فكانت ثورة الكرامة والحريات بسلميتها المرافقة لهذا الوعي الشعبي .
2- القيادة السياسية :
غياب القيادات المحركة والجاهزة مسبقا كان أسبابها عديدة أولها الايدولوجيا التي تحدثنا عنها سابقا ودوافعها
غياب الحياة السياسية وكبح الحريات العامة تشكل وعي عام اجتماعي مهيأ لتناول الأحداث دون وصي فكري .
لماذا التفاؤل موجود وبقوة؟
1- الوضع العام للمجتمع على كافة الأصعدة وصل إلى حد الغليان من خلال الممارسات المنحرفة والأخطاء المرتكبة في إدارة المجتمع والدولة وتفشي الظلم والفساد .( وقد يسأل سائل هنا ) ما هذا الفساد منتشر في معظم مجالات البلد وبين اغلب الناس ؟ ويسأل أيضا ما اغلب من في الشارع اليوم مواطنين بشكل ما كانوا فاسدين ؟
نعم … قد يكون السؤال إلى حد ما صحيح لكن عندما يتراكم الخطأ فوق الخطأ يصل الإنسان إلى مرحلة يعلن فيها إفلاسه على كافة الأصعدة في إدارة حياته في تلك المنظومة الخاطئة وقد يستمر في الخطأ إلى حين الانفجار وتوفر عامل ما يساعده على التخلص من المأزق الذي يعيشه . ( فالرجل الدائن ) يصل لدرجة وهو المذنب بشكل ما إلى حد يعلن فيه إفلاسه . ويحتاج إلى حل رغم انه كان يسير أمره سابقا مرة تلو الأخرى بان يستدين
2- الوعي العام : هو اختلاف الوعي الشعبي بين السابق والحاضر . فنسبة الوعي تزيد من اطلاع الإنسان وتزيد من متطلباته وكذلك تزيد من كمالياته . فأبي وأمي ومن عاشرهم في ذلك الجيل الذي بدأ منذ وقتها سياسات الفساد الاقتصادي والاجتماعي والأمني . كانت لديهم متطلبات فردية واجتماعية اقل .
3-عدم تشكل قيادة سياسية لتاريخه هو دليل سلامة الايدولوجيا وأحقية الثورة . فما هذا الخلاف إلا خلاف فكري بين تيارات سياسية وما الثورة إلا حراك عام . فإن تشكلت القيادة السياسية اليوم أو غدا فهي قيادة نابعة من هذه الايدولوجيا وغير ذالك غير ممكن . ليستمر الخلاف الشخصي والفكري بين التيارات التي لا ناقة لها ولا جمل في هذه الثورة .فالسبب في عدم تكوين قيادة سياسية من الشخصيات الموجودة أن الثورة تحمل ايدولوجيا اكبر وأعمق من هذه التيارات والشخصيات . وما يدعوني للتفاؤل هي قدرة الشارع لتاريخ اليوم على تهميش وتصغير كل الرموز السياسية فردا وجماعا من أن يعلو صوتهم فوق صوت الشارع . وهذا السبب هو نفسه الذي سيخرج المعارضة من مأزقها أو يلغيها ويشكل قيادات وليدة الفترة القادمة .
لنتفاءل لكل مايلي :
هي ثورة مجتمع وفكر وثورة من اجل بناء بيئة تناسب إنسان مهيأ ليمارس التقدم في كل حياته
هي ثورة تصحيح ذات قبل مجتمع وتصحيح مجتمع قبل تصحيح مؤسسات حكومية ونظام سياسي
هي ثورة خصبة غنية لم تبخل بأغلى ما يمكن لتحقيق أهدافها
هي ثورة متماسكة اليوم وواعية لمخاطرها وزوايا الضعف والقوة ويوما بعد يوم يأتي الحل للتصحيح
هي ثورة منعطفات تزيد من قوتها بعد كل ضيق
—————————-
ADNAN A A