ما زلت أتذكر كيف كانت أمي تكرر مقولة زوجة عمي السنية (ما رح ننسالكن ياها شو عملتو بحما)
وتعلق دوما على الموضوع بنفس الكلمات (اذا صحلن رح ياكلونا )
هذه الأحاديث كانت تعاد رغم أننا وقتها كنا ما نزال نتغنى بالتعايش السلمي بين الطوائف. أردت أن أخرج هذه المقولات من صندوقي الأسود علها تساعدني في فهم هذا الجنون الطائفي الذي أصابنا. أعرف أننا لم نكن يوما متعايشين سلميين لطالما كان الكره تحت الطاولة، لطالما اشترى المسيحي من المسيحي والعلوي من العلوي والسني من السني. ولطالما تكتلنا أثناء الدراسة الجامعية تكتلات طائفية حتى لو كنا غير طائفيين. لطالما كان أصدقاؤنا بالصدفة أو بالقصد من نفس الطائفة، هذا دون التطرق للمواضيع الأكثر تعقيدا كالزواج، لكن الجديد اليوم بالنسبة لي أن الكره بات فوق الطاولة وربما فوق السقف….
برأيي إن حوادث حماه عام 1982 والتي وطدت الحكم لآل الأسد هي أهم العوامل التي وطدت لهذا الحقد بين السنة والعلوية بشكل خاص. الصراع وقتها كان صراعا للحياة، أو قاتل أو مقتول. ما تزال في ذهني عالقة قصص عن تلك الأيام وعن الرعب والقلق الذي تملك الناس وعن الاغتيالات التي طالت العلويين المتعلمين، عن هذا الطبيب الذي قتل في عيادته وأمام أولاده، أو عن هذا الشيخ الذي قتل ورمي رأسه في الحاوية وإلخ من قصص تقشعر الأبدان. أستحي اليوم عندما أتذكر أنني كنت أرى بأن قصف حماه وقتل كل هؤلاء الناس كان الحل الوحيد. لكن لمن لا يعرف هذا ولمن لايفهم لماذا أنا بعمري لم أسمع شيئأ عن المجازر التي ارتكبت في حماه، وقتها لم يكن هناك صور ولم أكن لأتخيل بشاعة ما جرى، لقد كنت دوما أسمع القصص من طرف واحد لأن الطرف الآخر كان غائبا، رغم أن لي كثير من الأصدقاء السنة لكن لم يكن أحد منهم ليتحدث بهذا الموضوع وطبيعي السبب واضح لأني علوية. وهذا حال كل أبناء جيلي لم يكن لدينا البعد الإنساني للموضوع، لم يكن الضحايا وقتها بالنسبة لنا إلا إرهابيين ولا بد من موتهم. ربما نظرتنا للأمورأو نظرة الأجيال السابقة ما كانت لتغير شيئا في مجرى الأحداث وقتها، لكن بالتأكيد التعاطف مع السنة ضحايا هذه المجزرة من قبل العلويين كان ليغير ما أتى بعدها وما نعيشه اليوم.
فمن وقت أحداث حماه أصبحت الطائفة الأخرى معادلة للموت وتهديدا للوجود ودأب كل الناس على توطيد هذه المفاهيم بتجاهل المشكلة وعدم فتح الموضوع. وهذا طبعا مبرر في ظل القمع والإرهاب الأمني الذي يعانيه الناس.
منذ بداية الأحداث الحالية، ربما منذ اليوم الأول، والعلوييون يكررون أن أحداث الثمانينات قد عادت، وأن السنة الآن سينتقمون منهم، بصراحة كثيرا ما أغضب من كل أصدقائي وأهلي وأحس بأن العلويين اليوم متل اللي ضربني وبكا وسبقني وشكا. أحاول كثيرا أن أتفهم ما يحدث وأجد المبررات لذلك. أفهم أنهم في ظل هذا الحكم يرون أنهم قد أنهوا عقودا من الاضطهاد الذي طالهم من السنة” أبناء المدن”. هذا الاضطهاد الذي ترافقه قصص عن القتلات التي طالما أكلوها في السوق كلما نزلوا من القرية، لكنني في الحقيقة لا أدري أليس ما هم عليه اليوم تطور طبيعي للحياة وليس من عطاءات السيد الرئيس، أوليس التعليم والكهرباء والماء وتزفيت الطرقات كذلك من التطور الطبيعي للحياة، وليست أيضا من عطايا سيادته في بلد فيه من الخيرات والثروات ما في بلدنا؟؟؟؟؟
يؤلمني عندما أرى العلويين يؤيدون القتل ويدافعون عن القتلة، وأنا هنا لا أدافع عن أزلام النظام والمستفيدين من بقائه أوالمتورطين بقذاراته، وأعيدها أنني لا أدافع عن أي شخص تورط بقتل أو تعذيب أحد وإنما أتحدث عن الناس العاديين الذين يدافعون عن النظام، فقط بالكلام، يدافعون عنه لأنه بطريقة خاطئة تكون هذا الارتباط الشرطي في عقولهم بين الأمان والوجود من جهة وبين النظام من جهة ثانية.
ويحاول النظام أكثر فأكثر فعل أي شيء ممكن لتوريط الطائفة العلويين وينتمي لهذه الأفعال الفيديوهات الاستفزازية التي نشاهدها اليوم كالدوس على الناس والكفر بالله والكم الهائل من التعذيب المترافق غالبا مع صيحة “أبو علي” أو أي كلام بلهجة العلويين والتي تهدف بالدرجة الأولى لتخويف الناس المتظاهرين من جهة والأقليات من جهة ثانية لأنه يورطها أكثر فأكثر بالدم ويخوفها من انتقام الأكثرية لاحقا” فيزيد التفافها حوله.
بالدرجة الثانية تهدف هذه الفيديوهات إلى جر الناس للعنف.. سواء الآن كي يبرر له العنف ضد المتظاهرين أو حتى بعد ذهاب النظام لأنه يعرف أن إرثا” ثقيلا” من الحقد كهذا لن يكون من السهل على الناس تجاوزه.
أن يذهب النظام رغم كل صعوبة هذا الأمر هو الجزء الأسهل في عملية التحول. الأهم والأخطر هو ألا نعيد إنتاج الاستبداد. هذه الأنظمة العربية الحالية كثير منها وليد ثورات… لكنها ثورات أكلت أبنائها بالمعنى الحرفي أو المجازي…
بعد أن تنتصر الثورة ويتغير النظام في سوريا ستتبدل بالتأكيد الأدوار وستكون الفرصة متاحة لمن كان البارحة سجينا وهو شخص مؤمن يجبر أن يكفر بإلهه ويداس كتابه المقدس أمامه ستتاح له الفرصة ليصبح سجانا…
وربما لا يلام هذا الشخص أو من اغتصبت زوجته أو من قتل ابنه أمامه إن أراد أن ينتقم….
العنف يجلب العنف والحقد يولد الحقد….. وربما يكون انتظار العدالة المطلقة في الحياة ليس غير ضرب من الخيال…
أعتقد أنه ستأتي لحظة يجب عليكم فيها يا من قدمتم عظيم التضحيات من أجل غد أفضل أن تقفوا أمام من أساء لكم لا لكي تحاكموه بل لتسامحوه … ربما يكون من السهل عليي قول هذا الكلام…. لكنني لا أقوله من باب الترف… بل أقوله لأني أعرف أن من استطاع الوقوف بصدر عار أمام فوهة بندقية أودبابة… من خرج للشارع وهو يعرف أنه ربما لن يعود…. من ترك خلفه زوجته أرملة وأولاده يتامى …. ومن غنى للحرية وهو يعرف أنه قد يكون آخر لحن يغنيه….هو إنسان قادر أن يسامح.
تعليق واحد
تنبيه: استعراض لأبرز مناقشات وسائل الاعلام الاجتماعية 30-9-2011 : The Damascus Bureau