كثيرة هي العلل الاجتماعية والأخلاقية في مجتمعنا، وكثيرة هي الأساليب التي يستغل بها الناس بعضهم بعضاً ويؤذون بعضهم بعضاً. لا يبالغ الإنسان إن قال إن مجتمعنا يحتاج إلى ثورة أخلاقية وقيمية لبثّ مبادئ الاحترام والالتزام، قيم الأمانة والرحمة. فمن المؤسف حقاً أن ترى كيف يستغل الناس أحلك الظروف ليجعلوا من صعوبات و مشاكل غيرهم قوتاً هنيئاً يقتاتونه دونما تفكير ومن المؤسف أن ترى الرشاوى والإكراميات تدفع حتى من أجل ترخيص التدريس في المساجد.
نعم .. إن الفساد موجود في كل طبقات مجتمعنا ولكن هل نستنتج من كل هذا أن مجتمعنا لا يستحق أن يعيش حياة كريمة ولا يستحق حكومة تقوم على شؤونه وترفعه لا أحسن مستويات الحياة المدنية والاقتصادية والسياسية؟ الجواب من وجهة نظر البعض هو نعم بحجة أنه “كما تكونوا يولّى عليكم” وبحجة أن الحكومة هي نتاج طبيعي من مجتمع ما فإذا فسدت الحكومة فهذا يعني أن المجتمع فاسد.
ومع أن هذا الكلام لا يخلو من صحّة إلا أن فيه جور كبير وخلط بين الأمور. أما الجور فهو افتراضه أن كل المجتمع فاسد أو أنه كله لا يستحق، وأما الخلط فهو أنه يعتبر ظلم الناس بعضهم مبرراً لظلم الحكومة إياهم وهذا خطأ.
إن الله عز وجل خلق الإنسان وكرّمه لمجرد كونه إنساناً (ولقد كرمنا بني آدم). نعم لقد كرّم الله في الإنسان إنسانيته بغض النظر عن حسن أخلاقه ومدى استقامته. وهذا يعني أن إذلال الإنسان ليس جائزاً لأحد بعد أن وهب الله له العزة والتكريم. وإذا كان الأمر كذلك فعلى الحكومات إذاً أن تنطلق في تعاملها مع الشعوب على أنهم بشر وللبشر أياً كانوا حق الكرامة. فهل أعطانا نظامنا كرامتنا كبشر؟ كلما أطالب به هنا هو أن تعاملني حكومتي كولد من أولاد آدم، أفهذا كثير؟
وإذا كانت مجتمعاتنا تعاني عللاً أخلاقية واجتماعية كثيرة فهل تخلوا غيرها من المجتمعات من تلك العلل؟ إن أكثر المجتمعات ديمقراطية في الغرب تعاني من علل أخلاقية واجتماعية لم يسمع بها مجتمعنا، ولكن هذا لم يكن سبباً لظلم حكوماتهم لهم. تقولون أن الناس لا يرحم بعضهم بعضاً فهل أخبركم أحد أن الناس تعانق بعضها في شوارع الدول العادلة؟
وهل يطال الظلم في مجتمعنا الناس الفاسدين أو المستغلين دون غيرهم؟ أم أن الكل في عقوبة جماعية ولعنة منكرة تنزل عليهم بألف لون من الظلم مع كل شروق شمس!
ثم من قال أن الناس إذا تظالموا جاز للحكومة أن تظلمهم؟ إن هذا منطق معوجّ فخطأ يضاف إلى خطأ لا يجعله صواباً بل تصبح الكارثة مضاعفة! إن الله عز وجل قال (ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) أي أن العدل يبقى واجباً على من يحكم في أمر كبير كان أو صغير حتى وإن كان الخصم عدواً. فبمنطق الآية إذاً لتعتبرنا حكومتنا أعداءً وتعدل فينا!!
أرجو ألا أسمع أبناء بلدي يكررون هذا الادعاء الباطل “شعب ما بيستاهل”!! لأن أسوأ انحطاط هو أن ينحط الإنسان في عيني ذاته وإذا اقتنعنا نحن أننا لا نستحق فمن الذي سيرى أننا نستحق؟ إن هذه التهمة الباطلة ألحقت بشعوبنا وأقنعتنا بها آلات أنظمتنا الإعلامية حتى لم نعد نقيم لأنفسنا وزناً ..
وأخيراً .. لكل الذين يكررون هذه الجملة أقول: إذا كنا في يوماً من الأيام شعباً لا يستحق فنحن اليوم شعب يستحق وبجدارة! أما رأيت شبابنا يموتون من أجل الكرامة؟ أما رأيتنا بناتنا يرفعون صرخات العزة في وجه الوحوش؟ أما رأيت أطفالنا يضيؤون شموع الأمل في قلب الظلام؟
نحن الشعب الذي يستحق واشهد يا زمان ..
———————–
kalemat haq