نور الدين الدمشقي *
—————————–
تشق الثورة السورية المباركة شهرها التاسع بقوةٍ وحماسٍ أكبر من أي وقت مضى متسلحةً بعزم الشباب الثائر وإصرارهم على إزالة طاغية الشام وإقامة دولة مدنية ديمقراطية أساسها المواطنة والمساواة بين جميع المواطنين من دون النظر إلى عرقهم أو دينهم أو طائفتهم أو معتقداتهم الفكرية. لقد باءت محاولات هذا الطاغية وعشيرته الأقربين الرامية لإطفاء جذوة الثورة بالحديد والنار بالفشل وتزيد هذه المحاولات من عزلته الدولية والعربية وتضيّق الحبل حول رقبته.
السياسة الأسدية
يستغل بشار موقع سوريا الإستراتيجي ليوغل بدماء السوريين مطمئناً أن المجتمع الدولي لن يُعرّض استقرار المنطقة وأمن إسرائيل للخطر فقد لوّح رامي مخلوف منذ بداية الثورة أن “أمن إسرائيل من أمن سوريا”، وكذلك من خلال التهديد بزلزال يحرق المنطقة إن هاجمت قوّة ما نظامه العائلي. يخطئ بشار إن كان يظن أنه سيردع العالم عن التدخل لحماية الشعب السوري بالتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور، فالرضوخ للتهديد يتنافى مع العقلية الغربية التي كان ينبغي عليه أن يكون قد استوعبها عندما كان في بريطانيا. فقال جو بايدن نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في أثناء زيارته إلى العراق “خطر امتداد عدم الاستقرار في سوريا عبر الحدود ليس سببا لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة.” إذن فالأولوية لدى العالم الآن تتلخص في التخلص من بشار ونظامه وعدم الرضوخ لتشبيحه الخارجي فبشار لن يكون جزءاً من أي حل مستقبلي في سوريا.
لكن أكثر ما يعوّل عليه بشار في مواجهة سيناريو التدخل الدولي لحماية الشعب السوري من براثنه هو إيران. فروسيا تبيع حلفاءها عند دفع الثمن المناسب ولا يمكن التعويل عليها بالمطلق. ستكون إيران أكبر الخاسرين في المنطقة من انهيار النظام الأسدي الذي عبّد الطريق لها لتمد نفوذها إلى المشرق العربي ولتكوين توابع تدور في فلكها كالعراق ولبنان وسوريا ومجموعاتٍ فلسطينية. إلا أن حقيقة عدم وجود حدود مشتركة بين إيران وسوريا تعقد الأمور قليلاً على بشار خاصة مع تواجد قواتٍ أمريكية في العراق. ولإزالة هذا العائق رفضت حكومة المالكي في العراق التمديد للقوات الأمريكية وعلى هذه القوات الانسحاب من العراق بحلول نهاية هذا العام وحينها يصبح لإيران حدود مشتركة مع سوريا من خلال العراق الذي أصبح للأسف الشديد محافظة إيرانية. إن الوصول لنهاية العام والحصول على حدود مشتركة مع إيران هو جوهر مماطلة بشار. إنها سياسية “الاستغباء لكسب الزمن من أجل البقاء”.
السياسة المقابلة (سياسة الخنق المزدوج)
لم تعد تجارة الزمن هذه خافية على العرب ولا على المجتمع الدولي؛ فانخفضت مدة المهل التي كان النظام يحصل عليها في العادة من (15) يوم—كالمهل التي أعطتها له تركيا وروسيا والجامعة العربية—إلى يوم واثنين بل إلى ساعاتٍ فقط. لم يستطع وزير خارجية العصابة الأسدية كظم غيظه من هذا التضييق على المهل في مؤتمره الفضائحي الذي عقده في الثامن والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) عندما دعا العرب أن “لا يوجهوا إنذارات زمنية ولا عقوبات اقتصادية” فالمطلوب شيك على بياض مفتوح زمنياً لقتل كل من تسوّل له نفسه المطالبة بالكرامة وإسقاط الطاغية.
ولم يقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي حيال هذه السياسة فبدأ تطبق سياسة تشتيت التركيز لدى إيران من خلال إلهائها بنفسها ومشاكلها وخلق مشاكل جديدة لها. الملف الأول كان المحاولة الإيرانية غير واضحة المعالم لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة الأمريكية؛ كانت الولايات المتحدة على علمٍ بهذا المخطط ولم تظهره إلى العلن إلا بالتوقيت الذي يناسبها. استغلت الولايات المتحدة هذا الملف لأقصى درجة في التشهير بإيران وممارستها الإرهاب الدولي ولم تتوقف تداعيات هذا الأمر إلى اليوم حيث قامت السعودية بالحصول على إدانة الهيئة العامة للأمم المتحدة لهذه المحاولة.
الملف الثاني الذي تستخدمه الدول الغربية للضغط على إيران هو برنامجها النووي؛ أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً يشير إلى طموحاتٍ إيرانية للحصول على برنامج نووي لأغراضٍ عسكرية. حاولت الدول الغربية استصدار قرارٍ من الأمم المتحدة لفرض حزمة جديدة من العقوبات على إيران لكنها لم تنجح بسبب فيتو روسيا فاستعاضت عنها بعقوبات تصدر على قطاعات مؤثرة في الاقتصاد الإيراني أهمها قرار العقوبات الذي أصدره الكونغرس الأمريكي على البنك المركزي الإيراني.
الملف الثالث قامت إيران نفسها بإهدائه للمجتمع الدولي عندما قام مجموعة من رعاعها باقتحام السفارة البريطانية في طهران ما كلفها إدانات دولية جديدة وإغلاق بريطانيا والنرويج لسفاراتهما في إيران وتقليص فرنسا عدد دبلوماسييها في إيران وإغلاق بريطانيا السفارة الإيرانية في لندن.
تهدف الدول الغربية من خلال هذه العقوبات على إيران التي ترافقت مع عقوباتٍ فرضتها جامعة الدول العربية على النظام الأسدي إلى تطبيق سياسة الخنق المزدوج لكلٍ من النظام الأسدي ونظام الملالي الإيراني. فوقف التعامل مع البنك المركزي السوري هو أشد العقوباتٍ أثراً على النظام الأسدي الذي يعاني من تبعات اقتصادية خانقة لتوقف أوربا عن استيراد النفط من سوريا واستنكاف المشترين غير الأوربيين عن الشراء. لم يخف بالع القارات السيد وليد المعلم هذا واعتبره “إعلان حرب اقتصادية” .
علامة لاقتراب سقوط بشار
وفي حال كان الخيار العسكري لإسقاط بشار هو الحل الذي سيتبناه المجتمع الدولي، ستشير استقالة حكومة نجيب ميقاتي أو حجب الثقة عنها وتشكيل قوى 14 مارس (آذار) حكومة جديدة إلى أن بشار بات قاب قوسين أو أدنى من السقوط. يدرك بشار ونصر الله هذا جيداً لذا قام حليف الأسد نجيب ميقاتي بحلٍ لتمويل المحكمة من صندوق الهيئة العليا للإغاثة التابع مباشرة له ليحفظ ماء وجه نصر الله الذي يرفض تمويل المحكمة من حيث المبدأ وليحمي الأسد من تسريع السقوط ولتوفير نافذة ليتنفس الأسد منها نتيجة العقوبات الاقتصادية.
وإسقاط حكومة حزب الله أمرٌ ضروري من أجل ردع يد إيران عن مهاجمة إسرائيل من خلال قائم مقام لبنان حسن نصر الله. فحينها يكون الأسد قد خسر ورقتين أساسيتين في ابتزازه للعالم لحرق المنطقة وهما حماس بتوقيعها اتفاق المصالحة مع فتح، وحزب الله الذي سيصبح إدخال لبنان في حرب جديدة مع إسرائيل أمراً صعبا عليه نتيجة إسقاط حكومته ومعارضة الدولة اللبنانية حينها لأي توريط للحكومة الشرعية بمعركة سقوط الأسد.
* سوري مقيم في ألمانيا
مدونة شؤون سورية
http://syrianaffairs.elaphblog.com/posts.aspx?U=6932&A=99605
مدونات إيلاف
http://www.elaphblog.com/syrianaffairs
——————————————————————————————————
[1] http://aawsat.com/details.asp?section=4&article=652491&issueno=12057
[1] http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?articleid=104543
[1] المصدر السابق.