نور الدين الدمشقي
—————————
كانت الأصداء الأولية حول تقدم روسيا بمشروع قرارٍ إلى مجلس الأمن إيجابية جداً من ناحية قبول الروس بعرض الأمر على المجلس، فلقي هذا الأمر ترحيباً أمريكياً وآخر فرنسياً. كان الإنطباع للوهلة الأولى أن تبدلاً في الموقف الروسي قد حصل لجهة الضغط على دمشق إلا أن هذه الردود تبدلت تبدلاً دراماتيكياً في اليوم الماضي. فقد أدركت هذه الدول الغاية من وراء مشروع القرار هذا. لم يكن هدف الروس الضغط على الأسد ولم يكن يشير إلى أي تبدل في الموقف الروسي؛ بل إنه يمثل تشدداً جديداً لدعم الأسد ومد عمره في مواجهة شعبه فهو يرمي لقطع الطريق أمام ملفين سيستخدمها المجتمع الدولي للضغط على بشار.
أراد الروس أولاً قطع الطريق أمام قيام الجامعة العريبة بتدويل الملف وكان مشروع القرار الحد الأعلى ستقبل موسكو به. حتى لو قامت الجامعة العربية بتدويل الملف تنفيذاً لتهديد حمد بن جاسم “أنّ الدول العربية ربما تطلب من مجلس الأمن الدولي تبني المبادرات والقرارت العربية التي تهدف إلى إنهاء الحملة السورية على الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، لكنها لن تطلب التدخل العسكري” فأسبقية طرح الروس لمشروع القرار تمنحهم أفضلية طرحه على التصويت من دون أن تقبل بأي تعديل أو من خلال تعديلات شكلية. وفي حال قامت الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى بنقض المشروع، تقوم روسيا بالرد على هذا النقض بنقضٍ للمشروع العربي. تستفيد روسيا في هذه اللعبة من صفتها الرئيس الدوري لمجلس الأمن، أي أنها تلعب الدور الرئيس في تحديد جدول الأعمال والمطمطة والتسويف.
أما الهدف الثاني من خلال مشروع القرار الروسي فهو قطع الطريق أمام تحويل ملف نظام الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية من خلال تضمين مشروع القرار بنداً يتحدث عن إجراء تحقيقات دون تحديد الجهة التي ستقوم بهذه التحقيقات. يستطيع الروس استغلال غموض هذا البند لجعل السلطة المختصة بإجراء التحقيقات هي الحكومة السورية ولتلحق هذه اللجنة حينها باللجنة التي شكلها بشار منذ تسهة أشهر للتحقيق بالجرائم التي ارتكبها قريبه عاطف نجيب في درعا ولتناما نوم أهل القبور. كانت نافي بيلاي قد طالبت منذ أيام بإحالة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها النظام الأسدي في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية لكن الروس يحاولون الآن قطع الطريق على هكذا تحقيق.
على المجلس الوطني السوري أمام هذا المنعطف التاريخي في الثورة السورية أن لا يفوت أية لحظة وأن يتحرك سريعاً على الساحة الأوربية وتحديداً على الساحة الفرنسية وفي أمريكا وعلى الساحة العربية وبوجه خاص على الجانبين السعودي والقطري وعلى الجانب التركي من خلال تقدمه بمشروع مرحلةٍ انتقالية بحيث يتضمن هذا المشروع قبول المجلس بالتفاوض مع من لم تتلطخ يديه بالدماء من النظام القائم، وليكن فاروق الشرع مثلاً، على أساس جدول زمني يبدأ بتنحي الأسد ومنحه الحصانة من الملاحقات القضائية. ينبغي على مشروع المرحلة الانتقالية هذا أن يضمن حقوق الأقليات والمرأة حتى يحوز على الدعم الأوربي والأمريكي. يمتلك المجلس هكذا مشروع لكن ينبغي التعجيل بطرحه وتعديله قدر المستطاع ليوائم المستجدات على الساحة. على المجلس أن يضمن لروسيا مصالحها الإستراتيجية وأن يبدي انفتاحاً على الروس بأن يقبل أن تكون روسيا طرفاً في المفاوضات.
وليكسب المجلس دعماً من الجانب الأمريكي تحديداً ولزعزعة الدعم الإسرائيلي له، سيكون مفيدا جداً أن تُسرّ شخصية رفيعة ما في المجلس أن سوريا الجديدة ستتغاضى عن استخدام مجالها الجوي لإيقاف البرنامج النووي الإيراني قبل أن يبلغ مرحلة إنتاج القنبلة النووية وأن يجدد علناً إلتزام سوريا الجديدة بقطع العلاقات مع إيران ومنظمة حزب الله ودول محور الشر.
المرحلة حاسمة ولا مجال لتضييع أي دقيقة وعلى المجلس أن يقدم مشروعه قبل الإجتماع الوزاري العربي القادم يوم الأربعاء بحيث يكون العرب قادرين على دراسة هذا المشروع. بتنا الآن بحاجة لصفقة هذا وقتها.
كاتب سوري مقيم في ألمانيا.
بون
الرابط الاصلي
http://www.elaphblog.com/posts.aspx?U=6932&A=100819
من مدونة شؤون سورية
www.elaphblog.com/syrianaffair