يخرج علينا بين الحين و الآخر، بعض من (المثقفين)، ليتهموا (الشعوب ) العربية بالرعونة، و الانسياق خلف العاطفة، و مجانبة العقل، وأن ما تطلق عليه هذه الشعوب (ثورات) لتشكل مجمل ما يسمى بالربيع العربي ، هو في حقيقة الأمر (مؤامرات) و في أحسن الأحوال (حالة من التغرير) وان مآل هذا الربيع هو إلى شتاء، و يستشهدون بالحالة الليبية للحديث عن الدمار الذي ستعيشه الدولة كأنه كانت توجد في ليبيا دولة، وبالحالة التونسية و المصرية للقول بالتخلف العربي الذي أوصل الإسلاميين للحكم، و كأن مصر وتونس كانتا مرتعاً للتقدم والعدالة .
و كان الافتراق الذي يتحدثون عنه بين العقل والعاطفة، فيعتبرون العقل القوة الدافعة للحكم المنطقي، في حين أن العاطفة هي السيل الذي يجرف العقل ليلقيه بعيداً عن المنطق، و كانت الأحكام العامة الأشد التي تلقنها النخبة وتتحفنا بها وسائل الإعلام، بأننا شعوب عاطفية تسوقها مشاعرها و لا تدرك أين تقع مصالحها .
و كانت الفكرة التي تريد( النخبة ) بكل أشكالها أن تزرعها هي أن الوعي عند الشعوب، يعيش حالةً من القصور تجعل من إدراك هذه الشعوب (طفولياً أو بدائياً ومتخلفاً)، مما يعطي هذه (النخبة) الحق بامتلاك زمام الأمور لإرشاد الخراف الضالة، العاجزة عن الحكم الصحيح و الفاقدة للتأهيل اللازم لتولي شأنها .
إن التفجر العاطفي الذي شهدناه على مدى السنة الماضية في سوريا، هو ذروة المحاكمة المنطقية للأمور، و إن الثورة التي نشاهدها اليوم في سوريا هي التجلي العاطفي الأشد، المعّبر عن الفهم العقلي العميق لمنطق الأمور وحقائقها المجردة. وكان أبلغ تجلً لهذا الفهم هو في إعادة التقييم لبعض المسلمات عبر إسقاطها على الواقع، وإعادة التقييم لبعض الشخصيات من منطلق المواقف التي تتخذها و ليس من منطلق اللسان الذي تتكلم به.
فقد أصبح الشيخ العرعور الذي هو سلفي للنخاع أكثر ليبراليةً من أدونيس الذي يوصف بأنه ليبرالي، من منطلق مناصرته لحرية الشعب السوري .
و أصبح السيد برهان غليون (المفكر الماركسي ) أكثر توحيداً من الشيخ البوطي المتكلم في شؤون العقيدة، من منطلق الفهم لله عزّ وجل بأنه الحق.
وأصبح السيد سمير جعجع من رؤوس الممانعة و المقاومة عوضاً عن السيد حسن نصر الله من منطلق وقوفه إلى جانب المظلوم .
و أصبحت إيران ممثلة بنظام الملالي هي العدو الرئيسي لسوريا في هذه المرحلة عوضاً عن إسرائيل من منطلق الدعم الواضح و الصريح، فالناس تقتل بالأسلحة الإيرانية والتشويش بمعدات إيرانية و التمويل يتم بالنفط الإيراني، وذلك على الرغم من الدعم الذي يتلقاه النظام من إسرائيل، وعلى الرغم من (العداء) المعلن والصريح بين إيران و إسرائيل؟؟
و أصبحت المساجد هي الأكثر (تقدميةً) فمنها تنطلق إرادة التغيير و أصبحت الأحزاب( التقدمية ) هي التمثيل الحي (للرجعية) فهي التي تقتل للحفاظ على الموروث الذي أوصلنا إلى هذه النقطة.
إن إعادة التعريف للمصطلحات و التقييم المستمر للمفاهيم هو الذي يجعل الفكرة مرتبطة بالواقع، وانه الذي يجعل منطق الشك في المجهول، يقيناً بالرغبة في زوال الحاضر، وهو الذي يرى بين ركام الجثث بذرة الحياة، انه الذي يوجد من كل هذا الخوف شجاعة المواجهة، فمن بين سحب اليأس ينبثق شعاع الأمل .
بوركتم وطبتم عسى أن يجعلكم الله من الصالحين و يورثكم الأرض انه عزيز حكيم
——————–
A Alh