هي ابنتي .. لم تنجبها زوجتي .. اسمها يتبدل كل لحظة : مروة , كاترين , فاطمة , عليا . عمرها يتراوح بين العشرين والثلاثين .. لون بشرتها يتبدل بطريقة يصعب تمييزها : شقراء .. سمراء .. حنطية .. سوداء .. بيضاء .. لكن طريقتها في الكلام , في الحركة , في الحداء والغناء والهتاف هي , هي . وهي مثقفة أكثر مني ألف مرة . تتعامل مع الكومبيوتر أفضل مني ألف مرة . تحلل المسائل السياسية والاقتصادية والنفسية بشكل يستشعر معه خبراء المعارضة بالصغار فيرفعون لها العقال والكوفية والقبعة .
يابنيتي خففي الوطئ عني , ارحمي أبيك من فقره , وجهله , وتخلفه . اعذريني إن خفت عليك ياجميلتي , ياقرة عيني , يافلذة كبدي إن خفت عليك من بشر يشبهون البشر !! أن ينهشوا عفافك , أن يستبيحوا جسدك الغض , أن يطفئوا نار فكرك بغرفة في القبو لا تعرف الهواء , أن يشتموك بمفردات من لغة الهمج لم تسميعها من قبل قط !! أن يساوموك على أمك وأبيك وأختك وأخيك . أن يجبروك على التوقيع أنك غبية مُسيرة وعميلة . وأنك ابنة لص , قاتل , خائن . أعلم أنك لن تسمعيني , وإن سمعتني لن تطيعيني , وإن أطعتني جهارا مضيت إلى هدفك سرا .
أعترف أني بنيت فيك أصلا نهضت عليه , وأنني سبب ثورتك , من حرضك , من أوقد شعلة الثورة في ضميرك . لكنك تجاوزت الأصل والتحريض إلى فعل يشبه المستحيل !! تُعتلقين ياخفقات قلبي , ياصغيرتي , ويضربونك بعصي الكهرباء الصاعقة , يجلدون قامتك الرقيقة كعصفور , يطلقونك شبح فتاة , تعودين بعد يوم فرسا , شمسا , حديقة ورد بري , تتظاهرين , تهتفين , تُعتقلين , تُطلقين , تعودين فرسا , شمسا , حديقة ورد بري .
أعتذر يابنيتي عن جهلي بك , عن خوفي عليك , وأرجوك أن تستمري . لاأعرف ماذا تخططين وكيف .
أعرف أنك تأخذين البلد وأهل البلد إلى الجنة .
كل ماأتمناه يابنيتي أن تعيشي وأعيش حتى أراك تفتحين بابها وتعانقيني وتأخذين بيد أبيك الكهل إلى رياض الحرية .
————————————
توفيق الحلاق