نور الدين الدمشقي *
طوت الثورة السورية قبل أيامٍ شهرها العاشر وشقت طريقها في الشهر الحادي عشر بقوةٍ وإصرار وعزيمة لإزالة مغتصب السلطة في سوريا. لم تصل الثورة السورية إلى ما هي عليه الآن ولم تستمر كل هذه المدة إلا لاتباعها السبل السلمية من مظاهراتٍ واعتصاماتٍ وإضراباتٍ وسبلٍ أخرى. لكن بدأت الثورة نتيجة التعسف الذي مارسه النظام بالدفاع عن نفسها وبدأت الانشقاقات تتوالى في كتائب الأسد وتشكل بعدها الجيش السوري الحر. وكثرت في الآونة الأخيرة الدعوات إلى إعلان الجهاد في سوريا من بعض الجهات بين الثوار وروّج لها بعض الشيوخ. والجهاد، بمعزلٍ عن المعنى الديني، يعني العسكرة الشاملة للثورة السورية وتحويلها عن الطابع السلمي الذي ميّزها لحد بعيد. تنبع هذه الدعوة من شعور الثوار بالخذلان نتيجة تركهم وحيدين مع النظام المجرم ونتيجة تواطؤ أطراف في الجامعة العربية مع النظام وعلى رأسها أحمد بن حلّي ونبيل العربي والعراق والجزائر ومصر. لكن هل هذه الدعوات مساعدة للثورة السورية أم مضرّة لها؟
على الصعيد الدولي، يقوّي إعلان الجهاد والتحوّل إلى العسكرة مزاعم روسيا ويُضعف من موقف كل من يُمارس الضغط على بشار ونظامه. سبق أن حذرت أمريكا من الحياد عن سلمية الثورة عقب هجوم منشقين على مركز أمني في ريف دمشق وكذلك حذّر داوود أوغلو من الوقوع في الحرب الأهلية وكذلك نيكولا ساركوزي. ولغير العارفين فالحرب الأهلية تعني أي اقتتال داخلي في دولة ما وليست مرتبطة بالقتال بين الطوائف. ليس من مصلحة الولايات المتحدة ولا من مصلحة تركيا ولا فرنسا أن تنزلق سوريا نحو الاقتتال الداخلي أي الحرب الأهلية لانعكاسات هذا على المنطقة من العراق إلى لبنان إلى تركيا نفسها. وسيؤدي العسكرة إلى تقويض دعمها الدولي وهذا بصالح بشار.
أما على الصعيد الإعلامي، سيؤدي إعلان الجهاد إلى الضرر بالثورة فهذا سيقدم للنظام خدمة مجانية تبرر إجرامه وتصدق على افتراءاته؛ من خلال قيام الثوار بإكساء أنفسهم اسم “جهاديين” المرتبط في الغرب باسم القاعدة والأعمال الإجرامية التي قامت بها هذه الجماعة في أمريكا وأوربا والعراق وإفريقيا. سيرتد هذا على الثوار من خلال تحوّل الدعم والتأييد الذي يتلقونه في وسائل الإعلام الغربية والعربية— ومن نافل القول أن الإعلام هو من يُحرّك الرأي العام العالمي— إلى دعم من يحارب الجهاديين وهو نظام البعث. ويلعب النظام أيضاً بورقة حماية الأقليات، وخاصة المسيحيين—منازعاً فرنسا هذه المكانة— وحال المسيحيون في العراق عنّا غير بعيدٍ بفضل “جهاد” القاعدة.
قد يقول قائل إننا نعتمد على الله ولا نبالي بأمرٍ الغرب، و “إن تنصروا الله ينصركم” ويستشهد بآياتٍ كريمة أخرى، لكن من أين سيأتي الثوار بالعتاد والسلاح والذخائر؟ انتهى عصر المعجزات ولن ينزلَ اللهُ الملائكةَ حاملةً للثوار زادهم وعتاداً حتى يقاتلوا.
أما داخلياً فإعلان الجهاد أشد خطراً على الثورة من بشار نفسه، فمنذ أول يوم للثورة كان النظام يدّعي أنها مجموعاتٌ سلفية إسلامية وإعلان الجهاد سيقدم لبشار ونظامه دليل صدقه بأنه يقاتل إسلاميين ظلاميين تابعين للقاعدة، ف-“الاعتراف سيد الأدلة”. وهكذا سيكون بمقدوره إطلاق العنان لكتائبه فتكاً وقتلاً تحت غطاء محاربة الجهاديين كما عام 1982 في حماة. تحمل كلمة الجهاد معنىً إسلامياً—سنّي تحديداً— وإعلان الجهاد سيقصي بشكل آلي كل شخصٍ علماني أو مسيحي أو منتمٍ لأي من الطوائف الدينية الكريمة في سوريا التي يدّعي النظام حمايتها. أي أن إعلان الجهاد يُقدم لبشار مجدداً ما عجز عنه ويسلب الثورة صفتها الجامعة لكل السوريين إلى الفئوية للسنّة فقط. سيشق إعلان الجهاد صف الثورة نتيجة الصفة الإقصائية للجهاد ونتيجة عدم وجود إجماع عليه.
وبالمحصلة، سيكون إعلان الجهاد أو العسكرة الشاملة خطراً على الثورة على المستوى الدولي والإعلامي والداخلي في هذا الوقت تحديداً في ظل وجود “المراقبين” العرب، لكن هذا لا يعني هذا بأي حالٍ من الأحوال تبني الاستسلامية فلا بد من الدفاع عن النفس من خلال استمرار السياسة الدفاعية للجيش السوري الحر. شخصياً، أيقنت منذ اليوم الأول للثورة أن نهايتها ستكون عسكرية وكان هذا اليقين يزداد كل يومٍ إلا أن استخدام اسم “الجهاد” خطأ فادح. من الواضح أن المنطقة العازلة أصبحت قريبة وأتوقع أن تكون على بُعد شهرين إلى ثلاثة على الأكثر. لذلك فمن الأفضل الانتظار قليلاً وعدم إطلاق اسم “الجهاد” والاستعاضة عنه حينها “بالنفير العام” أو “نداء الوجب” أو “نداء الوطن” أو أي اسم آخر عوضاً عن الجهاد، فالثورة لم تقم في سوريا على الكفار بل على الظلّام.
رابط المقالة الأساسي هنا
————————————-
* سوري مقيم في ألمانيا
تعليقان
سيدي، سقطت جميع حلول الجامعة العربية والأمم المتحدة، وتحول الشعب من مطلبه الوحيد السلمي الى الحسم العسكري رغم الكلفة الغالية والتي سيدفعها، فالثمن الذي يدفعه الاّن دون ان يتمكن من الدفاع عن وجوده وممتلكاته وسرقة وطنه وكرامته ووأد أحلامه وعزته بكرمته الأنسانية في سلمية ثورته ذلك الثمن جد جد غال. الأمم البشرية دوما لجأت الى النضال العسكري بلا أستثناء. حين ثار غاندي على الأحتلال الأنكليزي بثورة سلمية، كانت هناك ثورة مسلحة على الأنكليز والجيش الهندي المتعاون معهم. غاندي ذاته فشل في ثورة سلمية في جنوب أفريقيا، قبل أنتقاله الى الهند ومعاودة ايمانه بالسلمية. أنهي رأي بتذكيركم:
وللحرية الحمراء باب ……………
سيدي، سقطت جميع حلول الجامعة العربية والأمم المتحدة، وتحول الشعب من مطلبه الوحيد السلمي الى الحسم العسكري رغم الكلفة الغالية والتي سيدفعها، فالثمن الذي يدفعه الاّن دون ان يتمكن من الدفاع عن وجوده وممتلكاته وسرقة وطنه وكرامته ووأد أحلامه وعزته بكرامته الأنسانية في سلمية ثورته ذلك الثمن جد جد غال. الأمم البشرية دوما لجأت الى النضال العسكري بلا أستثناء. حين ثار غاندي على الأحتلال الأنكليزي بثورة سلمية، كانت هناك ثورة مسلحة على الأنكليز والجيش الهندي المتعاون معهم. غاندي ذاته فشل في ثورة سلمية في جنوب أفريقيا، قبل أنتقاله الى الهند ومعاودة ايمانه بالسلمية. أنهي رأي بتذكيركم:
وللحرية الحمراء باب ……………