A Alh
—————–
كنا قد تعرضنا في حديث سابق لمقدمات ما يمكن اعتباره نقطة البداية لبحث الخيارات أمام السلطة السورية القادمة أياَ يكن شكلها, للتعامل مع أشد المواضيع إلحاحاً الآن ولاحقاً عند تشكل البديل الموضوعي, بعد استكمال العمليات المؤدية إلى إسقاط النظام, و القضاء الفعلي على كل البنى والرموز, التي قامت على أكتافها هذه الظُلامات الهائلة على امتداد الرقعة السورية.
في الحديث السابق كنا قد عرضنا لمسألة العرقنة و اللبننة كمثالين حاضرين لما قد تواجهه الدولة السورية , في حال تفكيك البنية الحالية للجيش السوري, لذلك رأينا أنه لا بأس هنا من مناقشة كلاً من هذين الموضوعين بشئٍ من التفصيل مع الاستفادة مما قد كتب سابقاً بهذا الشأن, و اجراء المقارنة الموضوعية لكلٍ من هذه الحالات مع الوضع السوري.
في المثال العراقي, والذي يعتبر من أكثر الحالات اقتراباً من الحالة السورية في عدة نواح :
– كلا البلدين حُكم من قبل نفس الحزب الشمولي, كواجهة لسيطرة عائلة على مقادير السلطة والحكم.
– كلا البلدين حُكم من قبل رئيسين كادا أن يتطابقا في طريقة السلوك و التعامل مع أفراد شعبيهما.
– كلا البلدين نشأت فيه طغمة عسكرية ,حولت الجيش فيهما إلى مجرد وسيلة لتثبيت السيطرة العائلية .
– كلا البلدين تمركزت فيه مفاتيح السلطة في أيدي الأجهزة الأمنية التي زرعت الخوف و الشك في نفوس المواطنين.
– واجه كلا النظامين العديد من الانتفاضات الشعبية , و ارتكب كلا النظامين المجازر بحق شعبيهما.
– دخل كلا النظامين في العديد من الحروب التي كان هدفها النهائي التوسع والسيطرة لتحقيق المكاسب الشخصية, و محاولة التحول إلى قوة إقليمية لترضي غرور الرؤساء.
– متاجرة كلا النظامين بقضية فلسطين و ذلك لتحقيق ما يظنونه منفعة لهم , و استخدموا الأساليب نفسها في محاولتهما التلاعب بالعقول و العواطف.
– أنشأ كلا الطرفين العديد من الوحدات القتالية المتخصصة التي كان هدفها الأوحد , هو الحفاظ على النظام القائم و قد صبغت كلا هذه الوحدات بالصبغة الطائفية , كما اصطبغ بها كلا النظامين مع مراعاة الفوارق و الخلافات.
ما سبق هو أوجه التشابه الرئيسة بين النظامين السوري و العراق على أيام صدام حسين.
و بالنسبة لسقوط النظام العراقي , فقد شهدنا جميعاً كيف دخل أولاً في حرب طويلة الأمد مع إيران لسنين عديدة , ثم قام بغزو الكويت و ما تلاها من قيام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ,ليخسر العراق المعركة في عاصفة الصحراء, وثم قيامه بقمع الانتفاضة الشيعية بكل وحشية , ثم وقوعه تحت الحصار و التفتيش الدولي لأكثر من عشر سنوات ,ليتم الإجهاز عليه خلال الغزو الأميركي عام 2003.
و تشكلت عندها سلطة عسكرية للعراق بقيادة الحاكم العسكري الأمريكي بول بريمر , و الذي أصدر كما أسلفنا قراره الشهير والذي كان عنوانه ( حل المؤسسات ) و ذلك بتاريخ 23-5-2003 .
ويعلق السيد بريمر على الدافع لإصدار هكذا قرار بعدد من التوضيحات و التي يمكن إنزال بعضها على الواقع السوري حيث يحلل السيد بريمر الوقائع على الصورة التالية :
(( لقد كان الجيش السابق يضم العديد من الضباط المحترفين, الذين لم يحظوا بثقة صدام , الذي عمل على الإبقاء على قيادة الجيش في أيدي مقربين منه, كما فعل هتلر و جعله يخضع لرقابة الأجهزة الأمنية, و كان يقوم بعمليات تطهير لكبار الضباط وحوّله إلى أداة للقمع.
كان الجيش السابق قد اختفى عن الأنظار قبل وصولي بفترة طويلة فمعظم أفراد و ضباط الجيش الذين شاهدوا مسار الحرب عام 2003 تواروا عن الأنظار و انخرطوا مع عائلاتهم أو بدءوا العمل في مزارعهم, فالحل لم يكن يدور حول استعمال هؤلاء أم لا و لكن حول استدعاء هؤلاء الجنود و الضباط الفارين إلى الخدمة ؟؟
و لأنه كان يتعين علينا أن نأخذ التركيبة الطائفية في البلاد و تاريخها , فان تشكيل جيش عراقي جديد ليس بالأمر السهل إذ يجب أن يمثل الأمة بأسرها و ليس كما كان الوضع بالنسبة لجيش صدام, الذي كان غالبية ضباطه من السنة, و كان صدام هو الذي يسند المناصب العليا لمن يريد, أما الجنود، و الرتب الدنيا فكانت من الشيعة ))
و أعقب الاحتلال الأمريكي للعراق، عدة سنوات دخلت فيها البلاد في معارك عديدة بين مختلف المستويات , فمن مقاومة للاحتلال العسكري الأمريكي اصطبغت باللون السني وتركزت , فيما دعاه الأمريكيين لاحقاً بالمثلث السني وأطلقوا على هذه الحركات اسم المتمردين , إلى صراع طائفي سني شيعي وطال الطوائف الأخرى من المسيحيين و اليزيديين .
و تدخلت جميع أجهزة المخابرات الدولية و الإقليمية التي كانت تعمل دوماً على إذكاء الصراع و تجييره لمصالحها، كما شهدت أيضاً الصراع حول الدستور و شكل الدولة العراقية القادمة .
و دخل الإرهاب الدولي على الساحة و بقوة، مؤكداً حضوره الجلي و البين في العديد من المجالات العراقية , و رافق هذا الصراع التشرد الرهيب لملايين العراقيين إلى دول الجوار و داخل العراق حيث حصل رسم جديد للخارطة الديمغرافية العراقية، بالإضافة إلى الدمار الشامل لكل البنية الاقتصادية العراقية ، وتحول العراق إلى دولة فاشلة مفتتة مهمشة تئن تحت وطأة الإرهاب و الخصومة السياسية ، والتفكك إلى العديد من الدويلات كما هو معلوم .
ذلك هو السيناريو العراقي، وهو ما يحذر منه المتخوفين من التمثل بهذا الاسلوب .
بوركتم وطبتم عسى أن يجعلكم الله من الصالحين و يورثكم الأرض انه عزيز حكيم
يتبع…….