مقاربة لخطاب وأداء المعارضة السورية منذ بداية الثورة
حازم نهار
———————-
ثانياً: واقع المعارضة السورية… ومعنى وحدة المعارضة:
واقع تنظيمي بائس للقوى السياسية المعارضة بعد عهود من القمع
إن واقع الأحزاب والقوى السياسية في سورية هو واقع بائس، سواء تلك الموجودة اليوم في المجلس الوطني أو هيئة التنسيق الوطنية أو خارجهما. يكفي أن نعلم أن معظم الأحزاب التقليدية (حزب العمل، حركة الاشتراكيين العرب، حزب الشعب/ المكتب السياسي سابقاً، حزب العمال الثوري العربي) لا يزيد عدد أعضاء كل منها عن 100 عضو اليوم، والحزب الوحيد الذي يمتلك قاعدة “جماهيرية” مقبولة نسبياً هو حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي الذي يقترب عدد أعضائه من الألفي عضو. أما الحركات السياسية الجديدة التي تشكلت مع الثورة، وإن كان عدد أعضائها يتراوح ما بين 100-300 فإنها حركات لا يبدو عليها التماسك والقابلية للاستمرار. أما حركة الإخوان المسلمين فهي لا تمتلك رصيداً تنظيمياً داخل سورية، حتى أنني خلال 23 سنة من العمل السياسي لم ألتق داخل سورية بمن قدَّم نفسه لي على أنه ينتمي لحركة الإخوان، وقد يكون هذا مفهوماً بسبب القمع والحظر المفروض عليهم، لكنني لم أجد تعاطفاً مع الحركة في الحد الأدنى في معظم المدن السورية إلا ما ندر. أما بالنسبة للأحزاب الكردية الموجودة داخل هيئة التنسيق أو إعلان دمشق، أو تلك التي تآلفت ككتلة واحدة ودخلت المجلس الوطني فليس لدي اطلاع دقيق على وضعها التنظيمي، لكن ما ألمسه هو وجود افتراق بين هذه الأحزاب والأكراد في سورية، كما إنها تكاد تكون في معظمها تشكلت للتعاطي مع المشكلة الكردية في سورية وحسب. إعلان دمشق الذي هو ائتلاف سياسي وإحدى القوى المشكلة للمجلس الوطني لم يبق منه صراحة سوى حزب واحد هو حزب الشعب إلى جانب عدد من الشخصيات الوطنية المستقلة، خاصة بعد دخول الأحزاب الكردية الموجودة داخل إعلان دمشق إلى المجلس الوطني ككتلة واحدة باسم الكتلة الكردية، وينطبق الأمر ذاته على المنظمة الآثورية الديمقراطية. أما القوى السياسية في هيئة التنسيق الوطنية فإنه بالإمكان القول أن بعض أحزابها السياسية لم يبق منها إلا اسمها وعدد من الأفراد الذين يرفعون يافطة الحزب.
التكتلات السياسية لحظة الثورة:
في اللحظة التي بدأت فيها الثورة، كان هناك في سورية عدد من الكتل السياسية المعارضة، وكل واحدة منها تضم عدداً من الأحزاب السياسية، وكان بعض هذه الأحزاب موجوداً في أكثر من كتلة سياسية:
التجمع الوطني الديمقراطي: وهو تحالف سياسي يمثل المعارضة السياسية المعروفة في سورية، وقد تأسس في عام 1979 في فترة الصدام بين النظام السوري وحركة الإخوان المسلمين. ويضم التجمع الأحزاب التالية: الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، حزب العمال الثوري العربي، حزب الشعب الديمقراطي (كان سابقاً باسم الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي)، حركة الاشتراكيين العرب، حزب العمل الشيوعي (انضم للتجمع الوطني الديمقراطي مؤخراً في العام 2008)، حزب البعث الديمقراطي (لم يحضر أي ممثل لهذا الحزب لقاءات قيادة التجمع منذ 20 سنة على الأقل). وللتجمع الوطني الديمقراطي قيادة مؤلفة من 10 أعضاء بمعدل عضوين عن كل حزب سياسي.
إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي: تأسس بتاريخ 16/10/2005 بمبادرة من لجان إحياء المجتمع المدني والتجمع الوطني الديمقراطي، وكان أوسع تحالف سياسي في ذلك الوقت، وقد ضم القوى التالية:
أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي الخمسة السابقة الذكر، لجان إحياء المجتمع المدني، حركة الإخوان المسلمين، حزب العمل الشيوعي (حيث كان في ذلك الوقت خارج التجمع الوطني الديمقراطي)، أحزاب كردية (الحزب الديمقراطي الكردي في سورية (البارتي) (عبد الحكيم بشار)، حزب الوحدة الديمقراطي الكردي، الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي، حزب آزادي الكردي، الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي..)، المنظمة الآثورية الديمقراطية، شخصيات مستقلة داخل وخارج سورية.
بعد مرور عام تقريباً انضم الإخوان المسلمون لجبهة الخلاص مع عبد الحليم خدام، وفي عام 2008 أوقفوا معارضتهم للنظام السوري خلال فترة العدوان الإسرائيلي على غزة، وكان موقفاً مستهجناً، خاصة أنه تم دون التشاور مع حلفائهم في إعلان دمشق. وفي أواخر 2007 انعقد المؤتمر الأول لإعلان دمشق وكان نتيجته خروج حزبي الاتحاد الاشتراكي العربي وحزب العمل وعدد من الشخصيات المستقلة منه، خاصة المنتمية للجان إحياء المجتمع المدني. وهذا يعني اقتصار إعلان دمشق حتى فترة بداية الثورة على الأحزاب التالية: حزب الشعب الديمقراطي (كان سابقاً باسم الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي)، حزب العمال الثوري العربي، حركة الاشتراكيين العرب، وكتلة الأحزاب الكردية، والمنظمة الآثورية الديمقراطية، وعدد من الشخصيات.
لقد جرت محاولات عديدة منذ عام 2008 وحتى بداية عام 2011 لإعادة الأمور إلى مجاريها في إعلان دمشق، لكن هذه المحاولات (ومنها محاولة قمت بها شخصياً) باءت بالفشل، والجميع اشترك في مأساة الفشل بدرجة أو أخرى، لذا سارت الأوضاع في إعلان دمشق إلى الترهل، خاصة مع اعتقال عشرة من كوادره في كانون الثاني 2008.
تم الإعلان خلال هذه الفترة عن تأسيس تجمع اليسار الماركسي (تيم)، من مجموعة من الأحزاب اليسارية والشيوعية الصغيرة والقليلة الحضور، وهي: حزب العمل الشيوعي، الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي (مجموعة خرجت من حزب الشعب)، تجمع الماركسيين الديمقراطي، هيئة الشيوعيين السوريين، حزب اليسار الكردي.
مع بداية الثورة إذاً كنا أمام الكتل السياسية التالية: التجمع الوطني الديمقراطي، إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، تجمع اليسار الماركسي (تيم)، مجموعة من الأحزاب الكردية خارج إعلان دمشق، الإخوان المسلمون (خارج سورية).
معنى وحدة المعارضة.. والمبادرات المقدَّمة:
بالتأكيد ليس المقصود من وحدة المعارضة السعي نحو إيجاد شكل تنظيمي واحد ونهج واحد وبرنامج سياسي واحد، بل إن هذه الوحدة تعني التوافق على مبادئ وأساسيات عامة، وتوفير إطار تنظيمي يسمح بالحركة الحرة لأطرافها والمحافظة على برامجها الخاصة وهياكلها التنظيمية. الوحدة بهذا المعنى تسمح بتوزيع الأدوار والتكامل بينها، خاصة في هذه المرحلة، لصالح تحقيق الأهداف الأساسية.
هذا يعني أن كل العقليات التي تنطلق من اعتبار نفسها ممثلة لمعارضة الداخل أو تلك التي تتعامل على أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري هي عقليات مدمِّرة ولا تنتج إلا الخراب، لأنها شكل من أشكال الاستبعاد والإقصاء التي هي جوهر النظام السياسي في سورية.
في ضوء هذا الفهم قمت شخصياً في تاريخ 25 آذار بطرح مبادرة لإيجاد شكل من أشكال التوافق على رؤية سياسية وإيجاد إطار تنظيمي لجمع الكتل السياسية الموجودة، وكان ذلك ضمن القيادة المركزية للتجمع الوطني الديمقراطي باعتباري عضواً فيها عن حزب العمال الثوري العربي (الذي هو عضو أيضاً في إعلان دمشق)، وكان هناك حماس كبير لهذه الفكرة.
ولمعرفتي بالمعارضة السورية وأمراضها، رأيت أن المبادرة إن خرجت من التجمع الوطني الديمقراطي ستجد من يعرقلها، وإن خرجت من إعلان دمشق ستجد من يقف في وجهها، ولذلك كان التوجه الأمثل هو قيام مجموعة من الشخصيات المستقلة بتبني المبادرة وإنضاجها والعمل على تحقيقها، واستقر الرأي على الشخصيات التالية: برهان غليون، ميشيل كيلو، حسين العودات، عارف دليلة، حبيب عيسى، عبد العزيز الخير، حازم نهار.
وُجِّهت الدعوة إلى جميع القوى والتكتلات السياسية، بالإضافة للتواصل مع عدد من الشخصيات المستقلة داخل سورية (حوالي 80 شخصية)، وكذلك شخصيات خارج سورية (حوالي 15 شخصية)، وفي الدعوة تم الاستناد لعدد من النقاط وهي: ضرورة وجود بوصلة سياسية للحراك الشعبي، وعدم إفساح المجال للنظام للعب على خلافات أطراف المعارضة، والتخفيف من التصريحات الإعلامية الذاتية والتصرفات الفردية غير المسؤولة باسم المعارضة السورية، خاصة تلك التي تتجه نحو بناء علاقات غير مدروسة مع دول العالم باسم المعارضة السورية. واكتسب هذا العمل المزيد من الأهمية في ظل حالة إسهال المبادرات والمؤتمرات من قبل السوريين في الخارج بما تسببت به من تشويش.
تم الاتصال وتوجيه الدعوة للأطراف التالية، على قاعدة عدم استثناء أي طرف، شريطة انضوائه في صف المعارضة: التجمع الوطني الديمقراطي، إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، تجمع اليسار الماركسي (تيم)، الحركة الوطنية الكردية (التي تأسست في ذلك الوقت وضمت 12 حزباً كردياً من ضمنها الأحزاب الكردية داخل إعلان دمشق)، شخصيات خارج سورية من الإخوان المسلمين، شخصيات مستقلة داخل وخارج سورية.
أثمرت هذه الجهود التي استمرت 3 أشهر من العمل والحوار المتواصل عن تشكيل “هيئة التنسيق الوطنية” في 30 حزيران التي ضمت طيفاً واسعاً من القوى السياسية، إلا أنها لم تضم جميع أطراف المعارضة، إذ اعتذر إعلان دمشق عن المشاركة آنذاك.
كانت العرقلة داخل سورية من قبل عدد من الشخصيات في إعلان دمشق، وكانت الأسباب المعلنة هي أن الظرف الحالي لا يتوافر على توازن قوى مقبول إزاء النظام (أي يجب الانتظار حتى يتعرض النظام للاهتزاز) وأن مثل هذه المبادرة من قبل المعارضة قد تشكل طوق نجاة للنظام أو محاولة لإنقاذه.
لا أدري هنا حقاً من الذي كان يسعى موضوعياً لإنقاذ النظام؟ هل من سعى إلى هذه البوصلة المشتركة للمعارضة بكل طاقته أم من رفض وعطل أي محاولة لتوحيد الرؤية تحت حجج وذرائع واهية..؟
السبب الأرجح في اعتقادي هو عدم ثقتهم بعدد من الأشخاص أو القوى المشاركة في الذهاب نحو تشكيل هيئة التنسيق الموعودة، أو بسبب علاقات شخصية وتاريخ طويل مبني على عدم الثقة بين عدد من شخصيات المعارضة. السؤال هنا كان ولا يزال هو: هل كان أحدٌ ما يتوقع اختفاء هؤلاء الأشخاص أو إلغاءهم؟؟ ها هم اليوم موجودون ويظهرون على الإعلام ويبنون علاقات مع الدول الإقليمية والدولية والجامعة العربية، وظهر للعلن، للأسف، ما كنت أخاف منه في لحظة معينة وهو وجود أصوات مختلفة ومتعادية في المعارضة بما يعطي للموالين والمعارضين للنظام على حد سواء إحساساً بعدم الاطمئنان تجاه جميع القوى والشخصيات المعارضة.
———————————————————–
مقاربة لخطاب وأداء المعارضة السورية منذ بداية الثورة – مقدمة (1)
تعليق واحد
اذا طباخنا جعيص شبعنا مرقة–اذا كان هذا واقع المعارضة بلسانها كيف للشعب السوري ان يصدقها ويؤمن لها ويسير معها–خلينا مع الاسد