A alh
————
بعد مقاربة الحالة العراقية في ما طرحناه سابقاً ننتقل للحديث عن الحالة اللبنانية، و التي يتخوف البعض من الوقوع في مثلها، و كبداية لنجمل خصائص الحالة اللبنانية أو ما اصطلح على تسميته (اللبننة ).
إن ما يميز لبنان عن جميع الدول العربية، من حيث التركيبة السكانية هو وجود نسبة عالية من المسيحيين ، حتى أن تشكيل لبنان الحديث قد تمً حسب الدعاية الفرنسية لحماية الوجود المسيحي في الشرق ، وطبعاً هذا الادعاء من السذاجة بحيث أنه يمكننا السؤال ما الذي أبقى هذا الوجود المسيحي في الشرق قبل الحماية الغربية وعلى مدى ثلاثة عشر قرناً منذ نشوء الإسلام .
لدى بدء التداعي في السلطنة العثمانية في القرن التاسع عشر، شعرت القوى الغربية بالضعف يدب في أركان الرجل المريض فانطلقت للحصول على امتيازات متعددة ، قام أغلبها بحجة حماية الأقليات ، حيث تبنى الروس الطائفة الأرثوذكسية ، و تبنى الفرنسيين الموارنة، و تبنى الانكليز الدروز ، أما البروتستانت فقد استأثرت الحكومة الأمريكية برعايتهم.
وبحكم التخلف الذي كان يعيشه الشرق آنذاك ، حيث الانهيار الاقتصادي و العلمي شبه الشامل و الناجم عن الانقطاع عن منجزات الحضارة الغربية ، و بحكم اقتراب المسيحيين من القوى الغربية ، فقد توفرت الظروف الموضوعية لهم للتعلم في البلدان الغربية ، إضافة إلى احتكار التجارة مع الدول الغربية بحكم المعرفة اللغوية و التفضيل الذي كانوا يتلقونه من قبل البعثات الغربية ، مما سهل لهم لاحقاً التوسع أكثر من غيرهم من الناحية العلمية و الاقتصادية.
وقد ميز الصراع الطائفي الحياة اللبنانية منذ بدايات القرن التاسع عشر و استمر حتى اللحظة، حيث عاش البلد العديد من الحروب الأهلية ، و الحروب الإقليمية و التي جعلت منه مسرحاً للعديد من المجازر، كما تعالت الصرخات قديماً و حديثاً من مختلف الأطراف للاستعانة بكل أشكال التدخل الخارجي فقد وقعت في جبل لبنان خلافات طائفيّة حادة خاصة بين الدروز والموارنة عام 1841م، وكذلك عام 1845م.
وقد تدخلت الدول الأوروبيّة في الصراع الدرزيّ المارونيّ بشكل سافر، فأرسلت دول أوروبا لجنة إلى إسطنبول لدراسة الموقف برمته مع السلطان العثماني والباب العالي، وتم الاتفاق على منح جبل لبنان نظامًا إداريًا خاصًا به، وعرف هذا الاتفاق بنظام عام 1861م.
أما بعد الاستقلال فأصبح المجلس النيابي اللبناني يتألف من 99 نائبًا ينتخبون على أساس طائفي، ولمدة أربع سنوات. فيمثل المسيحيين 54 نائبًا، ويمثل المسلمين 45 نائبًا. إن توزيع النواب لم يكن يعبر عن عدد السكان بقدر ما وزع بناءً على المفهوم الطائفي، وبشكل غير متوازن، وبمقتضى هذا العرف الجديد المرتبط بالدستور اللبناني الجديد يكون رئيس الجمهورية من الموارنة. وهو رئيس السلطة التنفيذية. وقد خصص منصب رئيس الوزراء اللبناني للمسلمين السنة، كما خصص منصب رئيس المجلس النيابي للمسلمين الشيعة. أما نائب المجلس النيابي فيكون للنصارى الأرثوذكس الشرقيين.
تلت ذلك في نهاية الخمسينات ثورة شعبية على الرئيس كميل شمعون، و بعد حوالي 20 سنة قامت الحرب الأهلية اللبنانية حيث انفجرت عام 1975م وانتهت بعد 15 عاماً بتكريس الرئيس السوري حافظ الأسد، متصرفاً شاملاً في لبنان .
إن اللبننة كمفهوم يعني زوال سلطة الدولة المركزية ، و لتستبدل بسلطة قادة الميليشيات ،و زوال الانتماء الوطني ليستبدل بالانتماء الطائفي،أي تحول الدولة إلى مزارع و مناطق نفوذ يتقاسمها قادة الميليشيات و الإقطاعيين الطائفيين، فهل يمكن حصول ذلك في سوريا.
في الحقيقة و انطلاقاً من المنظور السابق، يمكن القول إن سوريا قد عاشت لبننة متخفية تحت أسماء أخرى، فمناطق النفوذ يتقاسمها رؤساء الفروع الأمنية، كما أن الانتماء الوطني جرى اختزاله بالولاء للأسرة، أما السلطة المركزية فتعني الشمولية الرهيبة، إن سوريا تحولت من دولة إلى مزرعة لآل الأسد و أقاربهم و منافقيهم ومتملقيهم .
ما سبق هو اللبننة الحقيقية و إرادة الأسرة الأسدية هي التي، احتكرت الجريمة و سمتها السيطرة الأمنية، و قسمت البلد إلى ولاءات طائفية و عشائرية و قبلية و حزبية ليسهل السيطرة عليها و استخدامها لاحقاً في، إخضاع الشعب و الغسيل المستمر لدماغ أفراده، كما أن الاستعانة بالتدخل الخارجي هو اليوم في أنصع أشكاله، حيث تستعين القوات الأسدية بكل أشكال المعونة الإيرانية و الروسية و معونة حزب الله، وقبل هؤلاء جميعاً الاستناد إلى الحلف التاريخي مع إسرائيل،في المواجهة المصيرية التي تعيشها مع الشعب السوري اليوم.
إن القضاء على التركيبة الحالية للجيش السوري، تعتبر الضربة القاضية لمفهوم اللبننة حيث ينتقل الجيش من دوره الحالي كركيزة لسيطرة العائلة ، إلى دوره الحقيقي كركيزة لسيطرة الدولة، و من دوره اليوم كأحد أطراف الحرب الأهلية التي بدأت منذ انقلاب 1963، إلى الضامن الأساسي للسلم الأهلي، و من شوكة مصوبة إلى أبناء الوطن إلى سلاح يحمي الحدود .
إن البديل الموضوعي للتركيبة الحالية للجيش السوري، و الذي هو الجيش الحر هو الضامن الحقيقي لسيطرة الدولة مستقبلاً، و هو الكفيل بتحقيق السلم الأهلي الحقيقي.
بوركتم وطبتم عسى أن يجعلكم الله من الصالحين و يورثكم الأرض انه عزيز حكيم
يتبع