عهد زرزور
——————-
خرج الحمويون بمئات الآلاف في الشهر السادس والسابع من عام 2011، على الرغم من الذاكرة الدامية والمليئة بأبشع صور الإجرام، على الرغم من صوت النواعير التي تعن ليلاً نهاراً تنعي مجزرة 1982 وتنعي آلاف العوائل التي دفنت مع أسرارها المرعبة، يكاد في حماة لا يخلو بيتاً من شهيد أو مختفي أو معتقل، ولا شارع من رصاصة أو آثار اغتصاب لبشرأو شجر أو حجر…
على الرغم من كل الألم، كانت كرنفالات حماة من أرقى وأبدع وأعظم التجمعات الثورية التي سجلت في تاريخ ثورتنا. الحس الثوري الراقي كان واضحاً لدى السوريين، قبل أن تواجه مظاهرات ساحة العاصي بالقمع الشديد، صرف في جمعة أطفال الحرية مايقارب 70,000 ليرة سورية لشراء الورود كي يحملها المتظاهرين بأيديهم، مرّوا حينها بجانب مقر حزب البعث ورموا الزهور والأرز على رجال الأمن وبعد حين لم يُقَابَلو إلا بالرصاص… الرصاص، الشيء الوحيد الذي يخرس اللسان، بل يخرس الحياة ويخرس أجيال كما فعل قبلا بالسوريين، 30 عاماً من الصمت وشلل اللسان خوفاً و رعباً…
استمرت مظاهرات حماة الرائعة، قُلعت حنجرة القاشوش، وأنا هنا لا أريد سرد الأحداث بل لأضيء أكثر الأحداث دموية خلال “ربيع حماة” إذا جاز التعبير.
حينها حماة أثبتت وبشكل عفوي كيف أن الثورة السورية لم تقم يوماً إلا على فكرة الكرامة واسترداد الحقوق، لم تقم ثورتنا على الانتقام، وإلا لكان أحق الناس بالإنتقام من هذا النظام “الحافظي” هم أهل حماة. وهنا نتسائل، لماذا لم ينتقم أهل حماة كلٌ لعائلته وضحاياها؟ لماذا خرجو سلميين بالورود مسلحين بالقاشوشيات التي أصبحت تردد في كافة دول العالم كشعار للثورة؟
في ربيع حماة … لُونت الثورة بالفن… وفي ربيع حماة اكتشفنا أن الثورة عاصية تمشي، كما لا يحب الجزارين لها أن تمشي، وتتحرك بعكس الإتجاه…
بعد مرور العشرة أشهر على الثورة السورية، وبعد اقتراب سقوط النظام، وزيادة شراسته كالديك المذبوح، رُفع شعار الجهاد والدفاع عن النفس وليس قبلها أبداً، نجد الآن الكثير من متطرفين السلمية الذين ينتقدون عمليات الجيش الحر بالدفاع عن الأهالي أو حتى استخدام السلاح من الأهالي المدنيين للدفاع عن انفسهم ، يتهمون الشعب بأنه شعب فقير للمعرفة السياسية ويعتبرون هذا نتيجة لفترة حكم حافظ الأسد فقد ورّث الشعب الدموية و نزعة الانتقام، أو أنه شعب لا يملك دراية بالمستقبل ولا ينظر إلى ما سوف تؤول إليه الأمور…
العجيب في ثورتنا… أنها حدث محّرِك لا محرَّك، فالثورة بنفسها ناقدة لذاتها، بالعة لأخطائها، مطهرة لحاميها والرافعين لشعاراتها، لاوقت لتصحيح مسارها، ولا مكان لمن يريد أن يقف بعكس تيارها، ولكن تستطيع أنت أن تلونها بأفكارك وأفعالك وتضع بصمتك أينما شئت عليها… تضع صورتك و قصتك ولافتاتك، تضع ورودك و قمصانك البيضاء، تضع مقالاتك وفيديوهاتك وصوتك، تضع مالك و أحياناً يلزمك الأمر أن تضع سلاحك في جعبتها…
والجميل في ثورتنا… أن هذا ما يميزها، فلو كانت مطواعة، لشدها أي تيار فكري لصالحه، ولكن كلهم فشِل، فهي الآن تفكك وتحلل وتذيب كل الكيانات السابقة، لتعيد تركيب كل شيء قريباً جداً، بحلة الكرامة…
بغض النظر، هل كان السلاح بحماة هو سبب المجزرة، أم أن النظام أراد أن يلقننا درساً تاريخياً لأنها روفقت بحركات احتجاجية في حلب و إدلب…
ولكن من فعلاً كان السبب ليس بقتل فقط 30,000 شخص بل… بسجن 23 مليون سوري حتى قبل 15 آذار هو صمتنا، وخوفنا ورعبنا…
حماة تكررت، لن أقول بأنها لن تتكرر…
ولكن الشيء الذي لن يتكرر هو صمتنا ولو ليوم واحد…
والنصر قريب أراه كما أرى الشمس، ولكنه حارق تتلبده الغيوم قليلاً…
ربيع حماة…
[youtube=http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=OyxCuP950Ek]