يطرح الدكتور موسى متري، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة دمشق، والمستشار القانوني لكبرى المؤسسات في سورية، في المقال المنشور في جريدة بلدنا، نقاط هامة حول المسودة المقترحة للدستور السوري الجديد: هنالك طريقتان مقبولتان ومتَّبعتان عالمياً. يتمُّ بموجب الطريقة الأولى انتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور، بينما تقوم الطريقة الثانية على اختيار خبراء قانونيين لوضع المسودّة الأولى للدستور، ومن ثم يُعرض على الاستفتاء العام. مما لا شكَّ فيه أنَّ الطريقة الأولى هي الأكثر ديمقراطية، لكنها ليست بالضرورة الأفضل، لأنَّ انتخاب الجمعية التأسيسية قد يؤدِّي (بخاصة في دول العالم الثالث، حيث تكون المعايير الشخصية مرجّحة على المعايير الموضوعية) إلى تشكيل جمعية تأسيسية من أشخاص ليسوا خبراء قانونيين، ولايتمتَّعون بالاستقلال والموضوعية. أما الأسلوب الثاني، فهو أقل ديمقراطية، لكنه الأنجع للحالة السورية، بخاصة عندما يكون أعضاء لجنة الصياغة من الخبراء المشهود لهم بالموضوعية والاستقلالية والخبرة القانونية، وبشرط أن يكون هنالك مناقشة عامة (من قبل الجمهور) لمواد الدستور قبل طرحه على الاستفتاء. بعد أن مرَّر لي أحد المعارف من الصحفيين المسودّة الأوّلية للدستور، تبيَّن لي ضرورة الإسهام في المناقشة العامة، وإبداء بعض الملاحظات (أهمها وليس كلها)، وذلك كمواطن عربي سوري، وكرجل قانون. وأرجو أن تتمَّ دراسة هذه الملاحظات (التي أوردها بحسب تسلسل أرقام موادها وليس حسب أهميتها)، كما أرجو أن يعرض الدستور للنقاش العام قبل عرضه على الاستفتاء. أولاً – المادة الثالثة: الفقرة الأولى من الدستور، تنصُّ على أنَّ دين رئيس الجمهورية الإسلام. هذه المادة تستثير الملاحظات التالية: 2- أنها تميِّز بين الأقلّيات؛ فيكفي أن يكون الرئيس مسلماً، وحتى لو كان غير عربي.. أما العربي المسيحي، أو الدرزي، فلايمكنه أن يكون رئيساً. 3- قد يقول بعضهم، إنَّ هذه المادة هي لإرضاء الغالبية المسلمة في سورية، ولكن إرضاء الغالبية لايكون إلا بمساواتها مع غيرها، وإلا سوف تطالب الغالبية بحقوق أكثر، وتصبح الأقلية أمام حلين؛ إما تغيير الدين، وإما الهجرة. 4- قد يقول بعضهم، إنه من غير المعقول أن يكون الرئيس مسيحياً أو درزياً.. الجواب هو: إذا كانت الغالبية (بمن فيها المسلمون) صوَّتت له، فهل نحرم الأغلبية من حق الاختيار؟. 5- إنَّ الفخر للمسلمين السوريين العرب اختيار الأقليات الدينية والعرقية الأخرى بقاءهم في سورية.. وعلى الرغم من وسائل الهجرة السهلة حالياً، اختارت هذه الأقليات البقاء مع أبناء وطنها، رغم اختلاف الدين والعرق، على الهجرة إلى بلد آخر دين أغلبية شعبه المسيحية. فهذه المادة تمسُّ الفخر الذي يتمتَّع به المسلمون العرب السوريون. 6- يتضمَّن الدستور الحقوق الأساسية للمواطنين، ولايميِّز بينهم في الجنس أو الدين أو العرق أو غيرها، ولكن هذه المادة لاتساوي بين المواطنين. 7- أما الفقرة الرابعة من المادة نفسها، فتنصُّ على صيانة الأحوال الشخصية للطوائف، علماً بأنه آن الأوان للتخلُّص من أيِّ إشارة إلى قوانين وأفكار طوائف وديانات، وكفى ما يجري في سورية والوطن العربي من وراء الفكر الديني والطائفي؛ أي حان وقت الدولة المدنية، أو أقلّه حان الوقت لنسمح بالزواج المدني، إلى جانب الزواج الطائفي. ثانياً – المادة السادسة والعشرون: الفقرة (2) تنصُّ على أنَّ المواطنين سواء في تولِّي وظائف الخدمة العامة، وكان يستحسن أن تكون المادة أنَّ المواطنين متساوون أمام القانون في العمل وغيره، بما في ذلك تولِّي الوظائف العامة، لأنَّ المساواة يجب أن تشمل جميع فرص العمل في القطاعين العام والخاص. ثالثاً – المادة الحادية والخمسون: يجب أن تضاف فقرة بخصوص عدم جواز توقيف أيِّ مواطن إلا بموجب القانون، ولمدة محدودة تنصُّ عليها القوانين. وعدم النصّ صراحة على عدم جواز التوقيف إلا بنصِّ القانون يعدُّ بمثابة خلل قانوني في الحقوق الأساسية للمواطن. رابعاً – المادة الستون: لماذا الإصرار على أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب من العمال والفلاحين؟.. هنا أيضاً يبرز عدم المساواة بين المواطنين، لأنه لم تتمّ حماية أصحاب المهن الأخرى. طالما أنّ هناك حرية في الاختيار، لنترك هذه الحرية للجميع، بمن فيهم الفلاحون والعمال، فقد يختارون رجل دين أو صاحب مهن حرة أو محامياً أو طبيباً، ليمثِّلهم. من جهة أخرى، إذا كان العمال والفلاحون يمثِّلون أكثر من نصف المجتمع، فيجب تمثيلهم بأكثر من النصف، وإن كانوا أقل، فيجب أن يكون تمثيلهم أقل. خامساً – المادة السبعون: الحصانة الممنوحة لأعضاء مجلس الشعب يجب أن تكون محصورة بالحصانة عن آرائهم وأقوالهم وأفعالهم بالمجلس، وليست مطلقة داخل وخارج المجلس. والمادة الحالية لاتحصر الحصانة بالمجلس. سادساً – المادة الخامسة والثمانون: أوجبت هذه المادة أن يحصل المرشح على موافقة 20 % من أعضاء مجلس الشعب، وبالتالي حرمنا أيّ مواطن مستقل لاينتمي إلى حزب ممثل بـ20 % في مجلس الشعب من الترشُّح، وهذا يخالف المبادئ الديمقراطية، ويخالف إمكانية انتخاب رئيس غير منتمٍ إلى أيِّ حزب، والأكثر من ذلك يسمح لعضو مجلس الشعب بأن يساوم على توقيعه طلب ترشيح، وقد يكون الثمن نقدياً، أو معنوياً؛ أي أنَّ هذه المادة تخالف مبادئ الديمقراطية، وتعزِّز الفساد. سابعاً – في سلطات مجلس الشعب ورئيس الجمهورية: 2- المادة السابعة والتسعون: أبقت على صلاحيات الرئيس الحصرية في تسمية الوزراء وقبول استقالتهم، وكأن مجلس الشعب غير موجود. والمادة تحتاج إلى التعديل لتتوافق مع ما تمَّ شرحه في البند السابق. 3- المادة الثامنة والتسعون: تمنح رئيس الجمهورية وضع السياسة العامة للدولة، فما هي إذاً صلاحية الحكومة سوى تنفيذها، عملاً بأحكام المادة الحادية والعشرين بعد المئة؟.. لا بدَّ من وضع حدود واضحة في الدستور بين صلاحيات رئيس الجمهورية وصلاحيات الحكومة، التي تنبثق عن الأغلبية البرلمانية. لايوجد أيُّ خلاف لدى أغلب الحقوقيين على أنَّ السياسة الخارجية والأمن الخارجي والأمن الداخلي هي من صلاحيات رئيس الجمهورية، الذي يسمِّي السفراء، ويكون القائد الأعلى للجيش وقوى الأمن.. وهذا ما نصَّ عليه تقريباً مشروع الدستور.. أما السياسة الاقتصادية، فهي لمجلس الوزراء المنبثق عن الأغلبية المُنتخبة في مجلس الشعب. ثامناً – المادة الخامسة بعد المئة: منحت رئيس الجمهورية الحق في تعيين الموظفين المدنيين، وهذا يقتضي إصدار مراسيم بالتعيين، ويزيد من أعباء رئاسة الجمهورية من دون مبرِّر، ويستحسن تركها لمجلس الوزراء. تاسعاً – المادة الحادية عشرة بعد المئة: تحتاج إلى توضيح بسيط في الفقرة الثانية منها، التي تنصُّ على أنه لايجوز حلُّ مجلس الشعب أكثر من مرة لسبب واحد، والتوضيح يقتضي إضافة أنَّ حقَّ الحلِّ الوحيد يرتبط بالدورة الانتخابية الواحدة. عاشراً – المادة السابعة والعشرون بعد المئة: تتعلَّق بصلاحيات مجلس الوزراء، التي يجب أن يضاف إليها صراحة وضع السياسة الاقتصادية للدولة وفقاً للشرح المبيَّن في الفقرة سابعاً/3 من هذه الملاحظات. حادي عشر: هنا بيت القصيد لأهم سلطة عانت خلال حقبة من الزمن، وهي السلطة القضائية: 2- رئاسة مجلس القضاء الأعلى يجب ألا تكون لرئيس الجمهورية، تطبيقاً للمبدأ نفسه، علماً بأنَّ هذه المادة موجودة في الدستور الحالي، ولم تثر أيَّ مشكلة، لكن هل يجب أن يكون هنالك مشكلات تطبيقية حتى يتمَّ الفصل بين السلطتين القضائية والتنفيذية. 3- السلطة القضائية بأمسِّ الحاجة إلى منحها الاستقلالية الدستورية، ويجب أن ينصَّ الدستور على: وأهم النقاط المفاجئة التي نصَّ عليها مشروع الدستور تتعلَّق بعدم صلاحية المحكمة الدستورية للبحث في أيِّ قانون يتمُّ الاستفتاء عليه، وكأنَّ أيَّ قانون (حتى لو وافق عليه 95 % من الشعب) يمكنه أن ينال من حقّ دستوري لأيِّ مواطن آخر. سوف تؤدِّي هذه المادة (المادة السابعة والأربعون بعد المئة) إلى نبذ الأقليات من قبل رئيس الجمهورية والأغلبية، سواء أكانت هذه الأقلية حزبية أم دينية أم عرقية أم غيرها. ولإعطاء مثال على ذلك، يمكن بموجب هذه المادة أن يصدر رئيس الجمهورية قانوناً يسحب بموجبه الجنسية السورية مِن كلّ مَن هو مِن أصل غير عربي أو غير مسلم، ويستفتي به الشعب الذي يمكنه بتحريض خارجي طائفي أو غيره أن يوافق بأغلبيته على هذا، وبالتالي يفقد المواطن أهم حق له، وهو حق الجنسية.. المحكمة الدستورية تحمي الحقوق الدستورية والأساسية لأيِّ مواطن، حتى لو كان ضده الخمسة والعشرون مليون مواطن الآخرين. ثاني عشر: هنا أورد بعض الملاحظات العامة والقانونية، التي تتعلَّق بالمواد التالية: 2 – كيف يعطى الحق في تعديل الدستور الذي تمَّ الاستفتاء عليه من الشعب لمجلس الشعب فقط؟.. بالتالي، بمجرد أن تكون هنالك أغلبية حزبية (لحزب تكفيري أو إقصائي متطرف مثلاً) تتجاوز الـ3/4, فلأعضائها الحق في تعديل الدستور وإعادة المادة الثامنة أو غيرها ونسف إرادة الشعب (المادة الحادية والخمسون بعد المئة). 3 – لماذا حدّدت المادة الثالثة والخمسون بعد المئة مهلة ثلاث سنوات لتوفيق أحكام القوانين مع الدستور الحالي؟.. ماذا لو بقيت إحدى القواعد القانونية مخالفة لهذا الدستور بعد هذا التاريخ، ألا يجوز الطعن بها أمام المحكمة الدستورية العليا؟.. هذه الملاحظات (وهي جزء من ملاحظات عديدة) تصبُّ في مصلحة التصاريح الرسمية، التي أفادت أنَّ سورية سوف تكون أنموذجاً في الحياة السياسية الديمقراطية. |