فادي عزام
——————–
لا أعرف ما هو أسمك ولا شكلك ولا طائفتك باختصار لا أعرف شيئا عنك ؟ ولكني ربما التقيتك في مكان ما في دمشق. مقهى أو طريق، مطعم أو حديقة ربما لم ألتقيك أبدا.
لا أعرف إن كنت متزوجا أو أعزب لا أعرف إن كان لديك عائلة أم لقيط تربى في دار الموت.. لا أعرف الكثير عنك وربما لن أعرف أبدا. ولكن رأبت قدرتك، وبراعتك في التصويب؟ وبعد الإعجاب بمقدراتك العالية .. على انتقاء واحد من ثلاثين ألفا ، والتسديد المحكم إلى الرأس انحرفت رصاصتك قليلا إلى الرقبة. في المرة القادمة عليك التركز أكثر.
أيها القناص لدي سؤال حائر فعلا.. كيف تنتقي ؟
أعرف إن أمرا بأطلاق النار يأتي لمجموعة .. فتطلق بالهواء. وأمرا أخر من قائدك المباشر انت والمختارين لهذه المهمة المقدسة .تأتمرون بالقنص المنظم .. قتل واحد أو اثنين وجرح عشرة إلى عشرين وتنفرط المظاهرة..
بعيد عن الثورة والحق والباطل والنظام والمؤامرة، لدي سؤال ينهشني، كيف تنتقي ؟
أمامك منظار حديث ( جربته في معرض السلاح مرة يجعل الناس على بعد أكثر من 2 كيلو متر وكأنك تراهم في المرأة أمامك .. تستطيع انتقاء مساحة 5 سنتمتر لتسديد فيها. نعم هذا عمل الألات ولكن ماذا عنك؟
كيف تختار ؟ لماذا سامر الخطيب . ما الذي أعجبك به لتقرر إنهاء حياته ؟
ما الذي لفت نظرك وأنت تقرب تمر وتمسح بمنظارك. تراقب الفاتنات المزويات وترى أعينهن الملئة بالحزن والغضب والشوق لشامهن. تمر على شباب الشام .. خيرة شباب الشام . تستقر الدائرة تقرب تركز أكثر . تختار سامر الخطيب.. وتطلق ؟ مساعدك أكد سقطوه في منظاره الجانبي . يشطب على الورقة..
توقع في خانة تمت الإصابة ، تفكفك البندقية إلى أربعة أجزاء، تضعها في صندوقها الذي يشبه، بيت الكمنجة، ألتك التي تعزف بها لحن الموت، مصدر فخرك، رجولتك التي تعوض .. فشلك في الإنجاب. أنجاب أي شيء للحياة .. فانت مدرب في دار الموت على الموت صديق عزرائيل الخصي الأكبر الذي ينتشي بقذف الرصاص.
يا عازف الكمنجة. سامر الخطيب عاد إلى بيته البارحة مثقوب الرقبة ، أمه مسحت مكان الرصاصة وقلبها مليء بالثقوب كمصفاية.
أدخلت أصابعها التي مرت على جسده، قبلت مكان خروج الروح، الروح التي طافت في المزة، ورأتك من فوق، وعيانتك عينا بعين. أتظن تلك الرعشة التي مرت بك من البرد؟؟
لماذا لم تنم جيدا البارحة، لماذا استيقظت مذعورا عدة مراتـ رغم التهنئة من ” معلمّك ” والمكافئة المجزية التي حزتها، والأجازة القريبة التي وعدت بها..
ماذا ستشتري لحبيبتك، التي بعثت لك طوال البارحة رسائل ولم ترد؟
وحين أضطريت تحت وابل ..اتصالاتها؟ قلت لها بثقة كاذبة ما في شيء عنا مهمة؟
هل تستطيع أن تبوح له عن مهارتك بالتصويب، هل تستطيع أن تقول لها إنه لحظة أخترقت رصاصتك رقبة سامر الخطيب ثمة شيء أخترق قلبك.
وإنه منذ زمان لم تنزل المنظاربهدوء بل تابعت المشاهدة مع الألالف ليروا معجزتك ومأثرتك وبطولتك.
شاهدت الدم وهو يختلط بالثلج، بين الناس .. نقعة كبيرة من الدم.. لماذا وجدت بعضها اليوم صباحا على فراشك.؟
حملت نقعته معك وعلى العشاء بينما بعض الرفاق يربتون على كتفك، أنت تدعي الضحك، وتتناول ملعقة الأرز تلك لماذا شعرت إنها ممزوجة بالثلج الاحمر ؟
طبعا هززت رأسك مرتين أو ثلاثة فتلك الصورة لا تكاد تراها بالأحرى لا تشعر فيها. يوم قتلو روحك وسحلوها وهم يصنعون منك قاتلا ومجرما.. لم يعد بالإمكان معالجة أي شيء، فأنت تم تحويلك إلى حيوان قانص إقناعك إن ما بين يدك كمنجة تعزف الموت.. تؤدي عملك باتقان تنال عليه الأوسمة والمكافأت، وتحوطك السيدة الولدة بالدعوات وأبوك ربما لا يعرف إيضا عملك، يشد من أزرك وأخوتك يستمدون الفخر منك. وأنت أنت لماذا تحتقر نفسك الأن إذا كنت تقرأ هذه الكلمات.. هل لأنك اخر من رأي عيني سامر الخطيب قبل أن يسبلهما للأبد؟
هل لأنك حبست أنقاسك لتأخذ أنفاسه .. أنت تتنفس هواء مشبع بلهاثه.
أنت تعرف جيدا أنك لن تشفى أبدا وأنه تخاف ان تتذكر كل هذا. أنت تركت رصاصة في جيبك لم تخبر عنها أحد، تتلمسها بحنو وتدرك ..إنك ستضعها في رأسك. أو تنقذ نفسك منها من القناص الاخر الذي يراقبك ..ويسدد على عنقك.
عزيزي القناص الذي قتلت سامر الخطيب البارحة..
ربما لا تعرف القراءة ربما لا تعرف العربية ربما لا يهمك كل هذا. فأنت تؤدي عملك فحسب والشتائم واللعنات تظنها لا تطالك. يتلقها عنك سيد اللعنات الأول.
لا أحب أن تنتحر سريعا، ولكن وأنت تقبل حبيبتك ستحدق بك عيني سامر الخطيب. وأنت تحضن أمك، ستشعر بأنك تحضن سامر الخطيب، وأنت تلاعب أطفال عائلتك .ستشعر بعيني سامر الخطيب تسألك .. لماذا ؟
وأنت تهرب من الأحلام السوداء ستستيقظ ليقدم لك سامر الخطيب كأسا من الماء. وانت تتابع مهماتك .. لا تعرف لماذا هذا السامر الخطيب بالذات، يعود إليك. ستطلق النار في على ظله لكنه لن ينزف بعد اليوم؟ ستقنص غيره.. لتهرب منه.
دون جدوى .. سيبقى يسألك لماذا ؟
وأنت تردد كل ما يقال على الفضائيات الموت التي تحتفل ببطولتك.. وسيعاود الهمس .. حتى تدرك لماذا ؟
حينها فقط الرصاصة المخبئة بجيبك.. ستريحك للأبد وقبل ان تخرج روحك سترى على شريط الذاكرة.في البرزخ بين الحياة والموت. سامر الخطيب وهو يتقدم ليحاول أن يضمد لك الجرح. فتموت أكثر.
كم مرة سيمر على ذاكرتك هذا المشهد ؟
[youtube=http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=5318D7DX5_ohttp://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=5318D7DX5_o]
ربما ولا مرة .. هكذا قال من قبل الكثيرون ..لكن لم يبق لهم سوى هذا المشهد ..
* كاتب و روائي سوري
تعليقان
ما بعتقد يفهم عليك عربي
يعني كلامك جميل .. لكن للأسف وصفك للملائكة بهذا الوصف يسقط كل إعجابي .. هذه ليست المرة الأولى التي أقرأ لك فيها .. لكنها بالتأكيد ستكون الأخيرة .. فعلى ما يبدو أنك لا تؤمن بما يؤمن به الكثيرون من أمثالي وتعتبر الموت تفاهة يجب أن لا تحدث وبالتالي فكل القائمين على عملية الموت لا يستحقون الإحترام .. تذكر أن حافظ الأسد لم يعش للأبد ولن تعيش مثله أيضا .. فإما أن تصالح نفسك وتقنعها بأن الموت حق وليس فيه ما يهين الإنسان وإما أن تبقى كما أنت ..