في الدوحة ، اختلى جهابذة المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري “بين بعضهم ” فلا داعي ﻹزعاج الثائرين وٳشغالهم بأمور جانبية وتافهة تتعلق بمستقبل البلد وبمسار الحراك الثوري. بعد أن تباحثوا في أمور الدنيا والآخرة والثورة و تجديد الدماء و ما شابه طلعوا علينا ببدعة التجديد بعد التمديد ولعلهم أقسموا يمين الولاء (للأبد… ؟ ) لقائدهم الفذ ولمرشحهم التوافقي.
بعد ذلك تأتي ألسنة شريرة ومندسة لتقول أن السيد بشار الأسد غير ديمقراطي…
مقولة “دريدا” تتجلى بكل فجاجتها حين نرى طريقة عمل المجلس الوطني السوري ومكتبه التنفيذي و التمديد العجيب لرئيسه في ظل “الحالة الاستثنائية “. نريد أن نعرف ما هي هذه الحالة الاستثنائية ؟ فهل عزّ المعارضون وانعدمت الكفاءات لدرجة تجعل السيد “غليون” فريد عصره والوحيد من كل المعارضين السوريين القادر على تمثيل الثورة ؟ هل تقاطرت اعترافات الدول بالمجلس الموقر شرط استمرار السيد غليون في ترؤس المجلس ؟ أم أن نظام اﻷسد انهار لتوه وغرقت البلاد في فوضى عارمة تحتاج لمواهب لا تتوفر سوى لدى السيد غليون، ٳضافة ٳلى أن الوقت لا يسمح بالانغراس في ” تفاهات ” انتخابية أو حتى توضيح طبيعة “الظروف الاستثنائية ” التي تفسر ضرورة التمديد ؟ !
معلوماتنا المتواضعة تقول أن التجديد تم لكون السيد “غليون” المرشح التوافقي الوحيد وأنه فاز ضد السيدة بسمة قضماني وخاصة ضد السيد “جورج صبرا” المعارض الذي خرج للتو من سورية. نفهم أن رصيد السيدة قضماني من المعارضة قد لا يكون أكثر بكثير من رصيد السيد “برهان غليون” ولكن اﻹثنين بعيدان بسنوات ضوئية عن رصيد المعارض “جورج صبرا” والذي عارض من الداخل وذاق طعم السجن والاضطهاد ، ومثله السيد “هيثم المالح ” فكيف اتفق العشرة الموعودون “بجنة المكتب التنفيذي ” على استبعاد المعارضين “الطازجين ” وجددوا استثنائياً للسيد غليون ؟
ثم كيف يتفق أن لممثلي ٳعلان دمشق والحراك الداخلي، اللذين عارضا التجديد ، صوتين فقط وهما عصب الثورة وعمودها الفقري ؟ وليس لهم حتى حق “الفيتو” !! كيف يكون للمعارضة الخارجية ، خاصة في شكلها الديناصوري اﻹخواني، حق فرض وجهة نظرها على من يبذلون دمهم على الأرض و ضد مبدأ التداول ؟<
لا أحد يشكك في كفاءة السيد “برهان غليون ” ولا في نزاهته لكن المجلس الوطني تحت قيادته لم يبد ديمقراطية و لا مواهب استثنائية ولا أظهر قدرات خارقة على حشد التأييد للثورة السورية وتأمين انتصارها.
بين معارضة الخارج الممثلة بالمجلس الوطني وتلك الداخلية الكثير من أوجه الشبه وكلاهما تنطبق عليه مقولة “دريدا” السابقة. فالفردية والنخبوية واللا مبالاة بالرأي العام الشعبي وعدم احترام قواعد الديمقراطية تبقى قواسم مشتركة بين هاتين المعارضتين وتجعل منهما نسخة محسنة عن النظام الذي ترفضانه.
هيئة التنسيق تضم “معارضين ” لم يقتلهم لا حافظ الأسد ولا ابنه من بعده لأن الأسدين تعلما من أخطاء النظام الصدامي الشقيق الذي لم يجد ولا حتى معارضة شكلية في ساعة الحشرة تسمح له باللعب على تناقضات المعارضة العراقية أو حتى الإيهام بحراك إصلاحي. هذا لا ينتقص لا من تضحيات المعارضين ولا من إيمانهم بمبادئهم ، لكن هذه هي لعبة اﻷسد. هذه المعارضة الداخلية “حبّابة ” ووطنية لا تضيع وقتها في طرح أسئلة محرجة حول العلاقات المشبوهة للنظام مع إسرائيل ولا حول حقيقة الدور التخريبي لعائلة الأسد وتدميرها المنهجي للنسيج الاجتماعي السوري ولا تناقش الممارسات الطائفية للنظام والتي تنسف الوحدة الوطنية من أساسها. هذه أيضاً معارضة لا تتساءل عن جدوى مسلمات النظام في العداء المعلن والمطلق للغرب والخارج (غير الروسي أو الصيني والإيراني الشقيق ) . هذه معارضة تمت تربيتها “على الغالي”.
مع تعمق أزمة النظام صار معارضو هيئة التنسيق يحلمون بحكومة وحدة وطنية برئاسة أحدهم مما يسمح لهم بالوصول إلى مواقع شبه سلطوية في دمشق على صهوة سيارات المرسيدس العائدة لآل الأسد ، دون تدخل خارجي يزيحهم هم والنظام. يبقى الأسد والعائلة المالكة في السلطة الفعلية والناس سوف ترضى بإصلاحات شكلية ، على حد ظن هؤلاء ، وبدستور ماركة 2012 و”يا دار ما دخلك شر…”.
أما المجلس الوطني فموضوع مختلف.
ولد هذا المجلس من تقاطع استراتيجيات و رغبات مجموعات معارضة أغلبها خارجي مع ٳرادات دولية و بهدف “دعم وتمثيل الحراك الداخلي “. مع ذلك ما كان للمجلس أن يرى النور لولا “بهلوانيات ” الشاطر “اردوغان” والتي انضم إليها لأسباب مختلفة جهات خليجية لم ترد أن تبقى خارج “طبخة البحص” السورية هذه.
في معركة لي الذراع التي تورط فيها اردوغان مع نظام الشبيحة في دمشق كان حاكم الاناضول يظن أنه حين سوف يلوح مهددا نظام الأسد فإن هذا الأخير سوف يهرول باكياً إلى “ماما أنقرة ” التي سوف تخلصه من ورطته مع شعبه كما سبق لها وأن أخرجته من ورطة اغتيال الحريري. بدأ اردوغان بالتلويح “أن لن يكون هناك من حماه جديدة ” دون أن تكون لديه أدنى نية في حماية السوريين من القمع. اردوغان، المنخرط في مجابهة غير مباشرة مع إسرائيل، ظن أنه سوف يحرج إسرائيل حين يتحرش ب ” رجلها ” في دمشق. ظن اردوغان انه قادر على ٳزعاج التفاهم الاربعيني بين النظامين الفئويين في سوريا وٳسرائيل. لم يكن اردوغان يدرك ” أن اللي استحوا قد ماتوا “..
حين اشتعلت الثورة بالفعل جاء اردوغان عارضاً خدماته و التي ركلها الأسد معتمداً على حلفائه المخلصين في طهران وتل أبيب. لم يصدق اردوغان أن الأسد لا يخاف من تهديداته ومن حديث “عبد الله غول” عن “عدم استبعاد الخيار العسكري في الشأن السوري “.
حينها استذكر صاحبنا الدرس الليبي وكيف كان تشكيل المجلس الانتقالي الليبي “بيضة القبان” التي قصمت ظهر القذافي. هكذا قام اردوغان بدعم تشكيل المجلس الوطني السوري، في ظل ثقيل من وصاية أصدقائه من الأخوان السوريين الذين رشحوا لرئاسة هذا المجلس رجلاً علمانياً وتوافقياً بهدف إعطاء مسحة من الاتزان على تشكيل المجلس.
بالنسبة لاردوغان وحلفائه من الاخوان المسلمين المحرومين من كل أمل في الدخول لسوريا ما دام نظام الأسد باقياً ، الصفقة مجزية. بالنسبة للإخوان فهم إما أن يعودوا لدمشق ضمن تفاهم سوري تركي وبصيغة حكومة وحدة وطنية ، أو أن يعودوا للشام على متن دبابة تركية أو ربما مصفحة خليجية… هذا ما يفسر قول أحد زعماء الإخوان “نحن ضد التدخل الخارجي، لكن التدخل التركي أو الإسلامي ليس خارجياً…”.