في إحدى حلقات مسلسل لياسر العظمة يراقب المخبر الجمهور ويسجل اسم أحد الحاضرين الذي لم يصفق عندما ذكر الخطيب اسم السلطان . يتعرض اللامصفق للتعذيب على جريمته النكراء , ويسأل تحت التعذيب : ليش مازقفت ولا ؟ فيجيب اللامصفق : سيدي كنت نايم !! تصبح جريمته مضاعفة فهو ينام في محفل لمديح السلطان أيضا !!
لو أن هذا المشهد عرض في دولة ديمقراطية لضحك المشاهدون باعتباره ضربا من الخيال . عندما عرض في يلاد العرب قال العرب : والله هذا مايحدث عندنا .
أذكر في افتتاح مهرجان السينما الأخير أن وزير الإعلام أطنب في مدح السلطان حتى ظننا أنه فلذة من كبده فصفق الجمهور النخبة وكنت من بين اللامصفقين . لكزني صديقي وقال هامسا : هلأ بيكتبوا اسمك وبتروح فيها ؟؟
يعرف الموالون والمعارضون مثل هذه التفاصيل التي عايشها الكل وتغاضى عنها لكونها مجرد تفصيل لاقيمة له . والحقيقة التي غابت عن معظمنا أن تكربس مثل تلك السلوكيات كان بهدف تعويد الناس على تقبل العبودية ودفعهم لممارسة طقوسها في كل مكان ومجال .
من تلك الطقوس : توزيع صور السلطان الإله بشكل دوري على المكاتب الحكومية والخاصة وعلى السيارات العابرة أحيانا , وإلصاق الكبيرة منها على واجهات الوزارات والإدارات الحكومية .
كنت في إحدى معامل الر خام في ضاحية جوبر الدمشقية وكان العديد من فناني الزخرفة والنقش على الحجر يعملون على إنهاء لوحة البانوراما التي تقف حتى الآن في وجه القادمين من المحافظات على مدخل دمشق لتذكرهم بإلسلطان الإله الأب . سألت صاحب المشغل : كم كلفت هذه اللوحة العملاقة ؟ قال : 400000 في ذلك التاريخ من ثمانينات القرن الماضي .
وفي ذلك التاريخ نفسه لم تكن لتجد في البلد حاجات الإنسان الأساس مثل السكر والأرز واللبن والحليب والشاي ومناديل الورق ولاحتى أكياس الورق أو النايلون وكان الناس يصطفون لأيام كي يحصلوا على الليمون أو البندورة مثلا . قال لي رجل مسن نحيل معروق الوجه والكفين والذراعين وهو يهبط بصعوبة على درجات المؤسسة الاستهلاكية في منطقة البرامكة بدمشق : عم تسألني شو ناقص بالمؤسسة ؟ اسألني شوفي فيه بالمؤسسة أصلا ؟ لك بدي نص وقية شاي مالقيت .. إي مافي , أقسم بالله مافي !! لك يارجل شلون بدنا نعيش ؟ لك يلعن !! المقاومة .. لك بيركبو مارسيدسات وبيقولولك شو ؟ مقاومة ؟ عايشين بقصور وأكلن بيجيهن من فرانسا وبيقولولك شدو الحزام ؟ بدن حزام يمصع رقبتن . قال كل ذلك همسا ومضى يداري جسده المتهافت كي لايتدحرج ويموت شهيدا للمناعة .
تفاصيل كثيرة لسلوك العبودية حاول النظام الأبدي تكريسها في عواطف الناس وعقولهم ولأربعين سنة ظنوا أن السوريين اعتادوها وصاروا إلى عبيد . مايستفزهم اليوم أن ظنهم بات خائبا وأن الأصالة السورية بكل قيمها النبيلة استيقظت من ثباتها . ولذلك فهم أمام خيار الفناء أو البقاء ولو قتلوا كل من يهتف للحرية.
بالنسبة للسوريين فهم أمام خيار الانتصار فقط ولذلك فليس أمامهم إلا الانتصار .