أحمد أبازيد
—————————–
كان النهدُ ( وليس عليك أن تستغرب من هذه البداية فهو موجود شئنا أم أبينا ) حقلاً من السنابل الخائفة
و كان الخصر يروي في المساء لشاعر تحت الحلم حكاية قصيدته التي مهما اابتدع فيها من دروب المجاز ليموسق الحروف حول الخصر فلن يراها أحد أمامه !
و كان لدى المرآة دموع كثيرة منذ رأت الجرح الأوّل في فخذ ابن الجيران و حتى بعدما اعتادت منظر الأرجل الناقصة ..
و كان لدى دفتر مخبّأ الكثير من ذكريات عن أخيها الشهيد و ابنة عمّتها التي هزلت حتى نصفها حزنا عليه و حتى يوم تكبيرتها الأولى في المظاهرة قبل ليلة واحدة من خبر عاجل …
و كان اقتحام
و كان هرب
و كان عتم
و كان لدى الأرض الكثير من الوحي المخبّأ
وكان ..
هذا كلام مكرّر و فيه سماجةُ تشابيه المنتديات
القصّة لا تحتاج إلى الرومانسيّات و لا إلى خطباء الجمع … كانوا أربعة
و كانت أمّها مرميّة على الزاوية الباقية من الرعب
احتراساً من شبهة الخجل الذي قد يعيق عمل “بعض الأعضاء” اتفقوا أن يمارسوا حماية الوطن واحداً واحداً
و كان الجسد المشتهى سرباً من حبيبات الفزع
و كان شلّال من الرعب ينهار في جوف خفيّ
هناك بين الصدر و الرقبة كانت “لمسة” البداية ..
وكان توتّر الزغب على اليدين يشي بارتعاشة مخنوقة للمفاجأة معلّقةً في جحيم من شظايا التخيّل أسكن كلّ ما فيها حدّ الموت … سوى نبض هارب من لاوعي المنتَظر ..
كان جسدا لم يعرف يد الغريب ولا منطق الدولة في محاربة الإرهاب …
و كانت أسنانه تحارب في العنق بينما كانت تضجّ خيول من البكاء بين الفكّين المرتعدين ..و الجسد المستقيل إلّا من الرجفة !
و امتدّت يداه إلى حقول القمح … و إلى معرّشات العنب المهصور .. و تكسّرت مرآة .. و احترقت كتب … و فرّت قطط من تحت الإبط … و ولولت الجانّ للكدمات فوق الترائب , و انتحرت ورود على الكتفين .. و تسرّبت سنين ورديّة من شقّ الخصر الأيمن .. و كانت طائرات تلقي حمولتها من الأشلاء في فم الضحيّة .. و كانت آيات “يس” تهرب إلى الفقرة الأبعد عن مضمار التلاطم .. و كانت آلاف الصيحات تنزف من سيوف الحرب و قصائد العابرين و زغاريد الموتى … وكانت ملايين الخلايا تتشظّى فيها القيامةً لتغالب الذكرى و الفيزياء فتنشقّ عن الجسد هرباً من أظافر الوطن ..
و شُقّقت الأثواب
و كان تمزّق
و كان دم
و كانت الأمّ تذوب في الزاوية المنسيّة ..
و سيروي لأصدقائه في سهرة المتة على البحر كيف كانت تتلوّى كالقطّة بين يديه لتخادعه بالغنج .. تتمنّع كي أعطيها أكثر بنت القحـ..
و حانت نوبة الثاني في حراسة الأطفال النائمين من القنابل الغريبة
كانت منهكة و دامية .. و مرميّة على البلاط الذي ازرقّ من خزي الخذلان …
ولمّا آنت الصعقة الآتية استيقظت فيها عشتار بنت الغابات و القداسة و انفجرت ساعة اللطم و الأنياب ..
كانت المعركة محسومة سلفاً …لكنّها ملأت عنقه بالشقوق … انتصرت في ثانية … ثمّ غابت في البكاء !
و كانت الأمّ تعضّ إصبعها الأخير المتبقّي من نزيف الغيظ …
و سيروي لعاهرة في كازينو رخيص ذاتَ عَرَق كيف ” أكلته ” أكلاً من فرط الاشتهاء …. و سيقول لها غامزا ليتوهّم نصراً على سوس قديم ينخر في داخله : كما ستفعلين بعد قليل يا زانية ..
و حانت النوبة الثالثة لتدعيم الوطن ضدّ المؤامرة و الامبرياليّة ..
اكتفت بالنظر إلى ما تبقّى على جسدها من بياض و ما غفلت عنه عين الذئب من العشب … ابتسمت لبقعة سليمة في باطن الفخذ الأيسر .. و أخذها النحيب
كان سكران شبقا يبحث عمّا يتمّ به المشهد فقط …
و كانت الأمّ تمزّق ثوبها الأخير بعد الخدّين ..
و سيروي لقائده بفخر في تقريره عن المهمّة كيف كانت تئنّ من اللذّة و ترجوه – بدلالة الحضن – ألّا يغادرها من المرّة الأولى ..
النوبة الرابعة لحماية الأقلّيات من مراثي الضحايا …
رأى جسدين غائبين عن انتباهة اللحظة …
لعن حظّه و رفاقه .. و حاول أن يقنص السماء … و استمنى سريعا و مضى ..
و سيروي لإخوانه في الجهاد و الكفاح و النضال و الممانعة و الصمود و التصدّي حتى لا يسخروا من خيبته كيف أنّها إنّما غابت عن الوعي لمّا رأت ” قدراته الضخمة ” … فقط
____
و سيتردّد شاهد العيان في المساء قبل أن يحزم -ويستغفر سلفا على الكذبة – و يروي كيف امتلأت سماء المدينة بصرخات العذارى … و كان يؤرّقه سؤال كيف لصرخة واحدة أن تستنهض نخوة الفحول ؟!!
و سيعود الأب و الأبناء بعد أسبوعين حاملين الشوق برأس مرفوع بغنائمهم من ذخائر الأعداء … و سيتجمّدون أمام ” المصيبة” ويخفضون رؤوسهم إلى الأبد
و ستحلّ ضيفا دائما عليهم واعظة شابّات الحيّ لتدلّها على السور التي عليها أن تلزم وردها كي تتطهّر من الرجس ..
و سيدقّ صدر عباءته المذهّبة شهمٌ ملأته الغيرة على أعراض المسلمات و يعلن على الملأ أنّه يقبل أن يضمّها إلى قافلة البيت …. و هكذا يُغسل العار
و ستمشي أختها الصغرى بعد سنين من دون أن تفهم ما حدث متجنّبة نظرات المارّة على أطراف الجدران و تمدّ يدها دوماً – بلاوعي- تغطّي ما بين الساقين كيلا ينتبه إليه أحد …
_______
إلى الثائرات
إلى من كسرن آلاف القيود المضاعفة ليمتلئن بالحياة الوليدة … ليملأنها .. فكان لها وكان لنا المعنى بعد عقود من التيه ..
إلى الفتاة التي لم تصبر على ضرب طفل في السوق فاعتُقلت بعد ضرب ..
إلى السيّدة التي كانت تهجم على الأمن –في حوران- كلّما اعتقلوا شابّا أمامها و تخلّصه من بنادقهم ..
إلى حبيبة خائفة على الغائب ..
إلى أمّ أهدت أبناءها للجنازات كي يسدّوا فجوة البثّ المباشر ..
إلى ” تنسيقيّات الحرائر ” إلى ملائكة السرّ إلى من لم يعرفن الشاشات و لا المجالس و لا أمجاد الفيسبوك .. و انشغلن بخياطة الذاكرة لشعب جريح .. قرّر أن يستعيد الهواء بعد عقود من عفن البساطير ..
إلى عبير الحمّادي التي عرّت بوقفتها آلاف الشوارب ..
إلى سهير الأتاسي و رزان ززيتونة و خولة دنيا و سمر يزبك و كلّ من وقفت أمام صنم النار ..
إلى كلّ أنثى بكت ارتعدت رجفت هتفت كبّرت تظاهرت بالسرّ عن أمّها ضربت طنجرة داوت جريحا حفرت الكوسا لتشقّ الحصار كتبت ما همست به شقيقتها المدينة ضُربت صُعقت بالكهرباء دميت اختطفت اغتصبت امتدّت إلى خصرها عصا الأمن صرخت ثارت كانت وطنا صنعت زمنا … تحيّة
و لتذهب إلى الجحيم خالدةً رجولة الزيف في هويّات المرتعدين من صوت الحياة .. يا ابنة العيد .. يا حريّة
8 آذار
عيد المرأة السوريّة