زياد رائد | جريدة سوريتنا
————————
منذ أولى لحظات الحراك المدني السوري، بدءاً من سوق الحمدية ووزارة الداخلية في دمشق مروراً بدرعا، وتحوله إلى ثورة عارمة على الجميع. رافق هذا الحراك تطور إعلام الثورة تطوراً غير مسبوق كتجربة إبداعية معبرة عن جميع نواحي هذا الحراك الشعبي. ويبقى تأطير هذا الإعلام البديل كوحدة متكاملة أمراً صعباً، حيث يختلف مراقبو هذا الإعلام الثوري عن مكوناته، ماهيته، دوافعه وتكتلاته الفكرية وآلية عمله.
بين الإخباري والفكري
بعد مرور عام على الثورة يبدو مشهد الإعلام البديل الثوري منقسماً إلى قسمين:
الأول إخباري. والثاني ظهر كرديف محرك معبر ناشر للأفكار والتحركات، تشاركي يعمل على توجيه الثورة ويمثل آفاق تطورها ويعمل على تشذيبها وتوجيهها. فما هو هذا الإعلام البديل الذي يوفر الغطاء الثقافي والإخباري للثورة السورية؟ وماذا بعد؟ وإلى أين؟ وما هو السبيل إلى تطوير هذه التجربة الإعلامية السورية الشبابية؟
فمنذ الأيام الأولى ظهرت صفحات إخبارية، على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، تعمل على نشر وتوثيق الفيديوهات القليلة في البداية والكثيرة بعد حين. حيث شكل هذا الكم الهائل من الفيديوهات الأساس الإعلامي لتطور البنية الإخبارية للثورة السورية، فأولى الصفحات كانت “شبكة شام” و”أوغاريت” و “صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد” و”الغضب السوري” و”نستحق العيش بكرامة” و”فلاش” وصولاً إلى الكثير من الشبكات الخاصة بكل مدينة. حيث تطورت فيما بعد لتعكس عمل صحفي عفوي داخل المدن والأحياء، وتطورت شبكة من “التنسيقيات” لتكون الأساس لعمل إعلامي أكثر تنظيماً بحيث تشكل المصدر الأساسي لأخبار الفضائيات العربية والعالمية. مثال على ذلك “لجان التنسيق المحلية” و”الهيئة العامة للثورة السورية”. فيما بعد، تفرعت هذه الجهات والصفحات المتبنية للأخبار بشكل ملحوظ وبنسبة كبيرة جداً. ونلاحظ أن توجه صفحات دعم المعتقلين ورثاء الشهداء تحول إلى أداة نقل ونشر أخبار صادرة عن المجموعات سابقة الذكر كصفحة “ الشهيد حمزة الخطيب “ مثلاً.
إن هذه الجهات الإعلامية الإخبارية التي تعد مصدراً للخبر والتوثيق، فتحت الباب لتطور دراماتيكي غير متوقع في البنية الإعلامية للثورة السورية. وبدأت مختلف التكتلات الفكرية بالتطور والتعبير بجميع الأشكال المتاحة عبر”المدونات، صفحات الفيسبوك، اليوتيوب، ومؤخراً تويتر”. ولعب “موقع المندسة” في بدايات شهر أيار من العام الماضي دوراً هاماً في تنظيم عملية المشاركة الفكرية والنقاش العلني، فقد لوحظ أن أعداد الزيارات على هذا الموقع تجاوزت الخمسين ألف يومياً. تلا ذلك ظهور مواقع أخرى مشابهة “كموقع كبريت و “الحراك السلمي” و”أحرار” وغيرها من مواقع تعكس اتجاهات فكرية أكثر خصوصية.
وكأي أداة إعلامية متكاملة ظهرت الحاجة وبشكل تلقائي لانتشار أفكار داعمة للحراك منها الإبداعي والفني، ومنها الناقد الساخر. إبداعياً ظهرت سلسلة “حرية وبس” و” قصر الشعب” و”مصاصة متة” كحلقات أسبوعية شكلت حالة فنية رديفة لا تقل أهمية عن أي دور إعلامي كانت ومازالت تقوم به الصفحات الإخبارية. والصفحات التي تعنى بالمجال التعبيري والفني ك “الفن والحرية” و”الشعب السوري عارف طريقه”. فضلاً عن ظهور بما يسمى صفحات رد الفعل على خطابات بشار الأسد والأحداث الميدانية للثورة، كصفحات “الثورة الصينية” و “الثورة البريطانية” و “كلنا جراثيم” و “مغسل حمص للدبابات”… الخ. والجدير بالذكر كذلك الدور الرئيسي الذي تمثله راديوهات الثورة مثل “راديو 1+1” ولاحقاً “صوت العقل”.
مطبوعات ثورية
يتطور هذا النظام إعلامي كتجربة إعلامية شاملة تتضمن الإعلام المطبوع الذي يعكس قدرة ديناميكية لنشر أفكار الثورة بين أوساط الفئات غير المتابعة للحراك المدني على الإنترنت، مدعومة من قبل التنسيقيات التي تعمل على نشرها وتوزيعها على الأرض. فظهر حتى الآن ثمانية جرائد مطبوعة، أولها “جريدة أخبار المندس” وتبعها “جريدة سوريتنا” و “مطبوعة حريات” و “بكرا سوريا” و “مجلة سوريا بدها حرية – تنسيقية المغتربين” و “صحيفة الحق – تنسيقية الميدان” و “جريدة عنب بلدي – تنسيقية داريا”، ومؤخراً جريدة تابعة للجان التنسيق المحلية باسم “طلعنا ع الحرية”. تعكس هذه المطبوعات الإطار الشعبي لكم الأفكار الهائل الموجودة على الانترنت، لكن يبقى عدم وضوح عدد الطبعات الموزعة وجغرافية الانتشار عائق أساسي في دراسة تأثيرها وآفاق تطويرها كتجربة سريّة سورية بامتياز.
وللإجابة على الأسئلة المطروحة سابقاً، نجد أن أي منتج شبابي ظهر في العام المنصرم داعم للثورة يندرج تحت مسمى الإعلام البديل الثوري السوري. وللإجابة على سؤال “ماذا بعد؟” وإلى أين يتجه هذا الإعلام بعد عام على بداية هذه الثورة؟ وماذا تستطيع أن تقدم بعد كمؤطر عام لخطاب الثورة السورية ومخزونها الفكري؟. بين الصعوبات التي تواجه هذا الإعلام من تواترٍ للإشاعات المتزايد وصعوبة العمل السري والاختلافات والتقسيمات الفكرية بين رمادي وثوري، يميني ويساري، مشاركين ومراقبين في هذا الحراك، فإن رؤى جعل هذا الإعلام أكثر فاعلية يحتم علينا تطوير مدى مصداقيته ودرجة إقناعه للفئات غير المنخرطة في هذا الحراك بعد. فهل تكمن الإجابة في درجة التنسيق والتعاون المستقبلي بين هذه الجهات الإعلامية البديلة؟ وهل من الممكن زيادة زخم هذا الإعلام بابتكار وسائل جديدة داعمة للخطاب الأخلاقي للثورة السورية، وملازمة لتطور الأحداث ميدانياً.