إنه الإنقلاب الربيعي، الذي يعلن بدايةَ عهدٍ سوريٍّ جديد، يكنّس فيه أبناء المحافظات أوساخ عقود من الدَّرن والنّتن الذي حقنه آل الأسد وحلفائِهم في جسد سورية الجريح
عندما أشعل أطفال درعا الثورة في آذار الماضي، لم ينتفض الشعب السوري – يومَها- عن بَكرة أبيه وفي قائمة أولوياته مخططات إيران وإسرائيل التوسعية في المنطقة
لقد فعلوا ذلك ليمسحوا عن كاهلهم أولاً – وقبل الإنطلاق لإعادة ترتيب المنطقة
واسترجاع أراضيهم التي سلمتها العصابة الحاكمة في سورية من الجولان إلى غيرها البقاع-
العار والذل والإهانة الذي عاشوه بصمت مرير كل هذه السنوات
ولهذا سميت هذه الثورة الاستثنائية بثورة الكرامة
إنه عار التوريث لقاصر لا يناديه الشعب اليوم إلا باسم “البطة”، وعار تسلط أجهزة المخابرات، على حياتهم وعار تسلط معتوهي “العائلة الحاكمة “وزبانيتهم على اقتصاد البلد ومقدراتها ..
ومع أن العائلات السورية كانت تعاني من شظف العيش بمعظمها، إلا أن عزّة النفس السورية، لم تثر من أجل الخبز، بل أنها كانت تدير أمورها الحياتية من مساعدة الناس لذويهم من مهاجرهم البعيدة … متغاضين عن الدور الذي يجب أن تلعبه دولتهم مثل أي دولة في الكون لتأمين الخدمات الأساسية لمواطنيها.
صرخ الشعب السوري منذ أيام درعا الأولى
“الموت ولا المذلة”
صاحوا بألم نبيل
“ع الجنة رايحين شهداء بالملايين”
وغرّدوا بايقاع جماعي أثير
” الشعب السوري ما بينذل”
أن تكون حكومتهم العفنة بتركيبتها المافيوية البغيضة، قد حبكت تحالفاتها مع أساطين الإقتصاد الأسود في مشارق الأرض ومغاربها .. وأحكمت مع ذلك الخناق على شعبها النبيل مستغل وطنيته والتزامه بقضايا كبرى وأولها قضية فلسطين العادلة.
هذا لم يكن يعني أن هذه الثورة الشعبية النقية قد كانت تنتظر – عندما اشتعل أوارها – أن يقف العالم إلى جانبها في عدالة مطالبها وعلى رأسها استعادة المواطنة
وبنفس الوقت لم تكن تتوقع كل هذا التقاعس العجيب والتجاهل المرعب حتى للوضع الإنساني الكارثي الذي سيُفرض عليها
بل حتى الفاتيكان نفسه، أغمض عينيه عن حرب إبادة مجنونة يشنها حكام سوريا على شعبٍ أعزل على مدار عامٍ كاملٍ، وأصدر بياناً مريباً مجحفاً بحق من يدافع عن نفسه – وفقط يدافع عن نفسه – بأنه يرتكب “جرائم تطهير طائفي بحق المسيحيين في حمص” !!
عودوا أيها الفاتيكان -فقط- إلى شهادات الغربيين الذين أنقذهم أبناء حمص على حساب حيواتهم، عندما ذهبوا لتوثيق جرائم العصابة وجيشها.
السوريون لا يريدون منكم أي تضامن بعد اليوم، يريدونكم فقط ألا تنجرّوا إلى ماكينة الخداع والنفاق المحترفة التي يصدّرها إعلام العصابة.
ولكن ربّ ضارةٍ نافعة، فهذه رسالة إلى ثوّار سوريا الأحباء، الذي ليس بعد شجاعتهم شجاعة، أن هذا العالم الأعمى .. يضعكم تحت المجهر!
فلا تفسحوا له أي فرصةٍ لمحاولة تشويه سمعة الثورة السورية العظيمة. وهذه فرصة لكم للتأكيد مجدداً، أن من قام ثائراً على الظلم والطغيان … لم ولن يتصرف إلا بأعلى درجات الأخلاقية الثورية والإنسانية.
انتصار الثورة السورية الحتمي قائم على أمرين لاثالث لهما،
الأول
– هذا الإصرار الأسطوري الذي يظهره الشعب على الأراضي السورية على العبور إلى عهد المواطنة والكرامة.
الثاني
– مساعدة السوريين المغتربين لأهلهم في الداخل السوري كل من موقعه وبما يستطيعه وبأي شكل كان، إنساني، إعلامي، توثيقي،حقوقي، أكاديمي، فنّي …الخ..
بعدها ستحتاج سورية إلى فترة نقاهة يدير شؤونها حكومة خبراء مستقلّين، لأن الشعب أصيب بحالةِ قرفٍ مزمنٍ من كل ما له علاقة بالسياسة والأحزاب.. وحتى يُشفى من آلامه الغائرة .. سيكون جميع السوريين بكامل طاقتهم لإعادة صياغة التاريخ.
مانيا الخطيب
هلسنكي
23.3.2012