عارف عبدو
———————
من أصعب أنواع الأحاديث التي يخوض فيها كل سوري اليوم ،هو تقيم الحالة الميدانية والانسانية والسياسية والدولية للوضع السوري.
أمام كل التعقيدات والتجاذبات التي فرضت على الحراك الشعبي في سورية ،حتى لترى أنه وفي نفس الحديث الذي يمتد لخمسة دقائق لا
أكثر بينك وبين أي شخص آخر ،تستطيع الخوض في منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية ومدى تأثيرها على الثورة السورية من جانب
لتنتهي بمدى جشع بائعي الجملة والتجزئة ودورهم في استغلال حاجات الناس المادية وتحكمهم بأسعار المواد الغذائية الأساسية
واحتكارها من جانب آخر، ولأن كل هذا الكلام بات يعرفه الجميع ولا يخفى حتى على الطفل الصغير(لأنني سمعت ابن جيراننا الذي يبلغ
من العمر ثمانية أعوام يخبر أخاه أثناء تحليق مروحية عسكرية فوق بلدتنا منذ أيام ،بأن هذه المروحية روسية الصنع).
ولأن المعارضة السياسية وبكل أطيافها في سورية جزء لا يتجزأ من طبيعة وقوام ما يحصل على الأرض شاء من شاء وأبى من أبى.
كان لهم أيضاً نصيب بالحديث ممدوحين حيناً ومذمومين أحيانا ، اللافت في تحرك المعارضة السياسية في الفترة الأخيرة هو كثرة
تشكيل التكتلات والتجمعات والتيارات ،واللافت أكثر من ذلك وهنا بيت القصيد ،أن هذه التشكيلات وبمسمياتها المختلفة كانت في
مراحل سابقة جزء من هياكل سياسية معارضة أعم وأشمل من حيث التنوع والتلون السياسي ،حيث أن الثانية تشتمل على أطياف سياسية
معارضة أكثر من التي انبثقت أو انفصلت عنها، وأنا هنا لا أميل لطرف على حساب آخر، ولأرى ميزات اضافية ونوعية لأية فئة أو
طيف عن آخر ،لكن تصريحات وبيانات التشكيلات والفئات الجديدة، جعلتني أعود الى قانون أو مسلمة معروفة في علم الفيزياء
الرياضية ،ألا وهو قانون التناسب الطردي والعكسي، وفي مثال عنه: (كلما طالت طول ذراع القوة زادت تلك القوة والعكس للطرفين
صحيح) أما الذي بتنا نراه ونسمعه من المعارضة السياسية السورية هذه الأيام ،بأنها تعلن انفصالها عن كذا وتشكيلها ما يسمى بكذا
وذلك ،لضرورات ملحة اقتضتها الحالة الميدانية والانسانية للشعب السوري من طرف، والوضع السياسي والدولي من طرف آخر،
وعلى رأس تلك الضرورات والأجندات الملحة والتي كانت سبباً رئيسياً لاتخاذ هذه الخطوة الهامة هي توحيد المعارضة السورية.
وكأنه العجب العجاب انفصال من أجل توحيد، بهذا المعنى أعود لقانون التبادل الطردي الذي أسلفت الحديث عنه، والذي تحاول
المعارضة السياسية السورية ،ابطال فاعليته العلمية والتطبيقية بقولها (كلما زاد الانفصال زاد التوحد)،ولا أجد شيئاً شافياً ووافياً
لتوصيف حالة المنفصلين من أجل توحيد الجهود، الا ما قاله الشاعر العربي أحمد مطر في قصيدة :
المنشق
!أكثرُ الأشياءِ في بَلدتِنا
الأحزاب
والفقرُ
وحالاتُ الطلاقِ .
عِندَنا عَشْرةُ أحزابٍ وَنِصفُ الحِزبِ
في كُلِّ زُقاقِ !
كلُّها يَسعى الى نَبْذِ الشِّقاقِ !
كلُّها يَنشَقُّ في الساعةِ شَقّينِ
وَيَنشقُّ على الشَّقّينِ شقّانِ
وَيَنشقّانِ عن شَقَّيْهما . .
من أجلِ تحقيقِ الوفاقِ !
جَمَراتٌ تتهاوى شَرَراً
وَالبَردُ باقِ
ثُمَّ لا يبقى لها
إلاَّ رَمَادُ الاحتراق !
* *
لم يَعُدْ عندي رفيقٌ
رُغْمَ أنَّ البلدَةَ اكتظَّتْ
بآلافِ الرفاقِ !
وَلِذ ا
شَكَّلتُ من نَفسيَ حِزباً
ثُمّ انيّ
– مثلَ كلِّ الناسِ –
أعلنتُ عن الحزبِ انشقاقي !