بقلم: متظاهر من قلب الحدث
——————————-
بعد طول انقطاع عن جامعة حلب ومظاهراتها، لم يكن موضع نقاش أو تخمين بأن طلاب الجامعة سيعاودون التظاهر بعزم أكبر من قبل.
ذهبت متأخراً إلى الجامعة قليلاً، لم أسمع بحدوث شيء في الصباح أو عند الظهيرة، الموعد المعتاد دائماً للمظاهرات.
ذهبنا أنا وأصدقائي لنشتري القهوة. لم يكن هنالك ما يشير لقرب حدوث مظاهرة. دقيقة واحدة بعدها، وإذ بمظاهرة تعدادها ما يقارب الـ150 طالباً وطالباً، هتفوا شعاراتهم، رفعوا علماً من أكبر الأعلام التي رأيتها بأم عيني إلى الآن.
كانت حركة ذكية أن تقام مظاهرة في ذلك الوقت، أي بعد انتهاء دوام الأمن، عادة. تأخر الأمن في الوصول إلى المظاهرة، فأغرى ذلك الطلاب بمزيد من الهتاف، وبعنفوان أكبر. كان ذلك خطأ فادحاً، أفسح المجال للأمن بمهاجمتهم.
وصلت إلى كليتي مع أصدقائي، تكرر المشهد المعتاد ذاته من أمامي، كر وفر بين الطلاب والأمن.
خرج الطلاب من الكلية كالمعتاد، منهم من دفعه فضوله، والآخر متمنياً أنه أدرك المظاهرة من بدايتها، وخرج معنا أحد الدكاترة، حماية لطلابه من بطش محتمل.
على بعد عشرة أمتار كان الأمن يمسك بأحد الطلاب، يقسم لهم بأنه لم يكن متظاهراً، كانا عنصرين، أحدهم ضخم الجثة بشكل ملفت. تركض الفتيات لتخليصه من بين أيديهم، يقسمن للعناصر بأنهم كانوا سوية.
تناجي الطالبة عنصر الأمن: “ما عندك أخوة وأخوات؟ عم حلفك بالله!”
يتدخل عدد من الطلاب لتخليص الطالب من بين أيدي الأمن، أحدهم كان من حجم عنصر الأمن، ضخماً.
“أنا ابن العميد (فلان)، وهذا الشاب كان معي، اتركوه”
يبتعد الأمن وبيدهم الطالب، لم نعرف ماذا حدث هنالك، ولكن هذا الطالب الضخم، بدأ يركض، فبدأ أحد العناصر الركض وراءه، لم يلحق به، فرمى بقاذف القنابل المسيلة للدموع على العشب، وهو على شكل بندقية، وأسرع في الركض! كانت تلك الحركة هي الجزئية الكوميدية بالموقف!
يقترب الدكتور قليلاً محاولاً المساعدة وحلحلة الموضوع.
يعبر الأمن كالوحوش من أمامنا، يقول أحد العناصر لرفيقه: “ما مسكنا حدا اليوم لنتسلى فيو!”
يصرخ أحدهم: “يالله كل واحد على شغلو لشوف، يالله لجوا”
“أنا دكتور، واقف مع طلابي”
“اي دكتور خود طلابك وفوتوا لجوا، أصلاً كل البلى أجانا من الدكاترة”
“لا تغلط، واحترام حالك”
يستدير أحد العناصر ممن يلبسون اللباس المدني، ممسكاً بكبل كهربائي بيده، يعطي انطباعاً بوجهه بأنه متردد بأن يرد على الدكتور أو يكمل طريقه، بمعنى أنه “عم يطوّل بالو علينا”
يقول للدكتور: “كل واحد يطلع على شغلتو”
الدكتور: “أنا واقف هون وهي شغلتي”
الأمن: “تضرب انت وشغلتك”
نلتفت نحو الدكتور، المشاعر المتضاربة تغمرنا بلحظة واحد، هل نصعّد الموقف ونرد على عنصر الأمن، أم نصمت ونقتل المشكلة بأرضها.
ينصرف عناصر الأمن كما أتوا، كالوحوش المسعورة.
بعد قليل، الطالب الضخم نفسه، وعنصر الأمن المدني، صاحب الكبل، يتلاسنان.
الطالب: “عطيني موبايلي”
الأمن: “ما إلك موبايل عنا”
ثم بصوت عالٍ: “تلحس … يا ابن الكلب، أنا من فرع (…) تعا لعنا وإذا إلك عنا شيخدو. (الـ…ات) طالعين يتظاهروا وعم يسألوا عن موبايلاتن. لك أنا صباطي أشرف من شواربك يا كلب! بدي حط صباطي بتم أشرف واحد فيكن! اي خيو نحنا حرامية!”
فعلاً أنتم هكذا، لصوص، ومرتزقة! وأصغر طالب في جامعة حلب يساويكم جميعاً، أنتم وأسيادكم.
هذا هو حالنا اليوم، من لا يعرف تهجئة اسمه، يتطاول على من أفنى عمره في العلم والتعليم … هنيئاً لأسيادكم بكم، وبسورية التي يريدونها، خالية من خيرة شبابها، مذلة للسواعد البانية لها. وعمار يا بلد!