ثلاثة عشر شهراً ونيف انقضت من عمر ثورتنا المجيدة، والله سبحانه وحده يعلم متى ستنتهي الثورة، ومتى سيقسط النظام وكيف ستنتهي الأمور.
خلال أحد نقاشاتي الحادة “على العادة!” مع أحد أقاربي والذي وصفته بصفة “المتشائم” قال لي بلهجةٍ محتدة: لن يسقط النظام ما دمنا على هذا الحال! فقلت: وما هذا الحال قال: يخرجون ليتظاهرون ثم يُقتلون ثم يخرجون للتشييع ثم يُقتلون مرة أخرى “وعلى هذا ومثله” والأمر سيطول جداً إن لم يكن مستحيلاً!
وبعد هذا الحديث تأكدت أنه يوجد فيما بيننا “نحن السوريين الأحرار” من قد تسلل إلى قلبه اليأس، أو قد ترسخ فيما بين حبال أفكاره القنوط أو التعلق بهذا أو ذاك ممن يعتقد أن الحل سيكون على أيديهم “كمن يطالب بتدخل الناتو الذي لن يتدخل!”.
إنه لشيء طبيعي .. وأقصد هنا أن اليأس طبيعي جداً، بل هو أمر متوقع لأن الإنسان عجولٌ بطبعه، وكلنا نطمح بالتأكيد للأفضل، ولكن أغلبنا لم يفطن إلى نقطةٍ هامة، بل أمرٍ جللٍ في غاية الأهمية، ألا وهو ما حققناه من إنجازات خلال هذه الثورة، قد يصفني البعض الآن بأنني متفائل جداً (Overdose) ! أو أنني ممن “يجعل البحر طحينةً” ولكن صدقوني ..استطاع الشعب السوري أن ينجز إنجازات تاريخية سيشهد لها التاريخ وسيكتبها في صفحاته..
في بداية الكلام أريد أن أنوه إلى أن الله قدر علينا أن نكون تحت إمرة نظام من أعتى أنظمة العالم الأمنية، وأكثرها تسلطاً وجبروتاً، ولا يوجد على وجه الخليقة مثيل لهذا النظام الأمني إلا في بعض الدول التي لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة! وكما أن الله قدّر علينا ذلك فهو قدّر علينا أن يمتزج هذا النظام الأمني بصفة أخرى ألا وهي “الطائفية” الحقودة المقيتة، التي وحتى إن كانت بسيطة في بعض البلاد إلا أنها أقسى وأعتى في سوريا نظراً لوجود الدعم الصفوي اللا محدود لهذا النظام المجرم!
ولكن ما زلت مصراً على أننا أنجزنا إنجازات كبيرة .. هي أقرب للخيال منها إلى الحقيقة، وإذا أردنا سرد هذه الإنجازات فقد يطول الكلام عنها، ولكنني فضلت أن أتحدث هنا عن أهم هذه الإنجازات، إنها العزيمة والإرادة يا جماعة، لن ننكر أننا كنا موتى لمدة خمسين عاماً، وكانت سوريا عبارة عن سجن كبير طوال هذه الفترة، وكان الخوف يدب بين أوصال المواطن السوري حتى أنك تشفق عليه ! لن ننكر أننا كنا مستعبدين وكانت معيشتنا العادية أقرب للذل منها للحرية، لن ننكر أن “الخدمة العسكرية” فقط تضمن لنا خروج شبابنا وقد لبسوا لباس الذل والمهانة بأكمله، كما لن ننكر أن مجرد الوقوف في طابور “الجمعية الاستهلاكية” وتحمل حقارة الموظفين هي نوع آخر من الذل والمهانة، وفي هذا السياق أذكر أنه مجرد التفكير بإنجاز معاملة في واحدة من مؤسسات الدولة تضمن يوماً متكاملاً من الذل والاحتقار لهذا المواطن الذي تم احتقاره مسبقاً !
أبالله عليكم ما زلتم تقولون عني أني متفائل، العزيمة والإرادة والإصرار على انتزاع الكرامة، كلها صفات تتوافر اليوم في الثائر السوري وهذا هو الضامن والكفيل في المقام الأول لنجاح ثورتنا، لأن هذه العزيمة والإصرار سيولدان الثقة الأكيدة بالنصر والغلبة.
لم يكن هذا الإنجاز سهلاً بالطبع، فبعد نصف قرن من الاحتقار “البعثي” نشهد اليوم خروج هذا الشعب السوري من القمقم الذي وضعه فيه النظام بمشهد يغلب عليه الطابع التراجيدي، بالله عليكم كيف كان إحساس المواطن السوري وهو يشاهد ذلك البطل الذي رقى إلى لوحة “نادي ضباط حمص” وهو يركل برجله صورة “الزعيم الفاطس!” ويجتهد في ذلك، لتسمع صيحات الإعجاب والاستغراب في أوساط المتظاهرين في الأسفل، أنا على ثقة بأن هذا المشهد سيخلد في التاريخ السوري، وأن بطله “حتى وإن كان غير معلوماً” فهو بطل قومي بالتأكيد ويستحق أن يخلد في كتب التاريخ،وبالتأكيد فإن هذا البطل هو الذي جسد المواطن السوري بعد خمسين عاماً من الذل والقهر، هذا المواطن الذي يريد أن يركل هذا النظام المتعفن الحقير ركلةً واحدةً ليودي به إلى الهاوية، ليعيش هذا المواطن حراً كريماً له حقوق وعليه واجبات في مجتمع مدني يساوي بين الجميع.
نعود إلى موضوع “متى سيسقط النظام؟ ومتى ستنتهي الثورة؟” هذا سؤالٌ صعب، وأنا متأكدٌ أنه لا يوجد أحد يستطيع الإجابة عليه، بمن فيهم الثوار والنظام بالتأكيد، وهنا أحب أن أقول كلمة أحب ترديدها دائماً : بدأت الثورة من حيث لم يتوقع أحد، وبدأت بتقدير العزيز العليم، ولذا فإنها ستنتهي بالتأكيد من حيث لن يتوقع أحد على الإطلاق وستنتهي بحكمة ولطف الحكيم الخبير سبحانه وتعالى …
ودمتم ..
إبراهيم حسن
i.abaji@hotmail.com