تبدأ القصيدة ببيت الشعر
يسمعني حين يراقصني – كلمات ليست كالكلمات
وبعد خطاب السيد بشار الأسد بالأمس، قفزت إلى رأسي فكرة غريبة بإمكانية ابتداء القصيدة بطريقة أخرى.. فلماذا لا نقول
يسمعني حين يخاطبني – كلمات ليست كالكلمات
بعض الناس من كارهي نزار قباني يقول إن القصيدة كانت بالأصل تبدأ بـ”يسمعني حين يضاجعني” وليس بـ”يراقصني”. ولذلك، ومن وحي خطاب الأمس، نستطيع أن نحتفظ بالنص الأصلي للقصيدة ونقول
يسمعنا حين يضاجعنا – كلمات ليست كالكلمات
وكلمة “يضاجعنا” هي الكلمة المهذبة لكلمة أخرى لا مجال لذكرها هنا احتراماً للقارئ والقارئة، وللحفاظ على مستوى الحديث بشكلٍ عام. فالسيد بشار الأسد عملياً قد “ضاجعنا” كلنا بدون استثناء وأثبت على الملأ وبما لا يقبل مجالأ للشك فحولته وذكورته بقدرته على “مضاجعة” شعب كامل وعلى على مدى ساعة كاملة
لا يزال السيد الأسد يعرف الثورة التي تغلي على أرض الوطن بكلمة: “احتجاجات” وهنا تبدأ المشكلة. مشكلة الشعب السوري، ومشكلة الرئيس مع شعبه. فإذا كان الأسد ينظر إلى ما يجري على الأرض على أنها احتجاجات، فلا عجب أن يرى الـ”محتجين” جراثيماً كما كان سلفه الليبي يرى المحتجين الليبيين جرذاناً.. ولم يبقَ إلا أن يقول في نهاية خطابه: “فاتكم الغطار”. إن كان هذا الرئيس لا يرى في الأمر أكثر من احتجاجات يجب قمعها وإخراس صوتها حتى يتمكن من النوم، فسوف يكون على أولوية جدول عمل الثورة إقناعه اولاً بأن هؤلاء بشر وليسوا جراثيماً، وأن الـ”بيف باف” الذي يستعمله حتى الآن للقضاء عليهم لم ينفع، فمن الواضح أنه لن ينفع.. وأن تكرار نفس الأسلوب مع توقع نتائج مختلفة هو التعريف الرسمي للغباء.
المشكلة أن “أبا حافظ” يظن ابتسامته الساحرة وقامته الممشوقة سبب كافٍ ليحبه الشعب.. لقد استيقظ بالأمس.. تناول فطوره.. ارتدى ربطة عنقه الأنيقة.. استقل سيارته الفارهة واعتلى منصة الخطاب ملوحاً بيده لجمهوره الذي احتشد عفوياً للتصفيق له والهتاف بحياته بل وبحياة إبنه حافظ الثاني. ابتسم.. أحس بالدفء والسعادة تغمره في هذا المكان الراقي حيث لا وجود لباقي الشعب من الرعاع.. هذا المكان الهادئ حيث لا يسمع دعوات الأمهات الثكالى! هنا يمكنه ان يقول أي شيء.. يمكنه أن يعد ويهدد ويضحك.. يمكنه حتى أن يتلعثم.. وسوف يصفق له الجميع.. الجميع هنا يحبه.. هذا المكان مريح جداً.
وهذل ما فعله.. لقد وعد وهدد وتلعثم.. ولقد صفق له الجميع.. صفقوا جميعاً له وهو يقول إن تويقعه الذي يذيل الأوراق الرسمية هو ما يحل المشاكل وهو ما ينتظره الشعب من رئيسه ليحول سوريا بجرة قلم إلى ألمانيا. صفقوا وهو يعد بتطبيق الإصلاح وكأن تشكيل لجان لمكافحة الفساد وإدارة الحوار سوف يحل مشكلة الدم السوري الذي أراقته آلة قمعه التي يقودها أخوه. الشعب يموت وهو يتحدث عن آلية عمل اللجان والحشد يصفق.. الدم على الأرض وكل ما يشغله هو الحديث عن الدروس التي لن يتعلمها بل سيعلمها هو لغيره والحشد يصفق.
إن الهوة السحيقة بين ما يقوله أبو حافظ وبين ما يجري على الأرض يوحي بقصة الرجل الطيب بشار والرجل الشرير ماهر. وهذه الهوة تجعلنا نفكر أن الرجل الطيب إذن إما مغيب تماماً عن صنع القرار، وهذا يجعله غير صالح للحكم وهذا ما نفاه هو شخصياً في أول الخطاب.. وإما مشارك بالقتل، وهذا ما يجعله كذاباً.. كذاب في ضحكته ولهجته وفي نواياه الإصلاحية. ولا شيء مما سبق ذكره يهم.. المهم أنه رسمياً هو الرئيس، وهو رسمياً المسؤول عن الأرواح والدماء.. وأن لم يكن قادراً على قيادة البلد بنزاهة فليحزم أغراضه وليرحل.
إن سخافة الخطاب الرئاسي تجعلنا نسأل: هل تعمد من كتب خطاب الأمس أن يتناول تلك الأمور الضحلة حتى يضع الرئيس في موقف محرج؟ ومن هو صاحب المصلحة في تصاعد الغضب الشعبي ضد هذا الرجل الطيب؟ هل هو الرجل الشرير؟ هل كان أحد من العائلة الحاكمة مثلاً يظن أحد أن أسطوانة تخفيض خمس ليرات من سعر مازوت و تشكيل لجان مكافحة الفساد وتعريف مهمة لجنة إدارة الحوار ستجعل الشعب السوري ينسى دم أبنائه؟
الحقيقة أن لا شيء مما قاله أبو حافظ بالأمس يهم، فالحشود حتماً ستصفق.. ما يهم فعلاً هو ما يفعله.. وما يفعله لا يبشر حتى الآن بخير، بل ليته التزم صمته وبيته بدل أن يحاول نفي الشائعات التي تناولته شخصياً.. وليته تركنا نظن ان الشائعات صحيحة! وليته كان فعلاً تحت الإقامة الجبرية.. لقد وقف بالأمس على أجساد السوريين ووسط دمائهم وأرواحهم ليعترف أنه ما زال على رأس عمله وانه هو المسؤول عما يجري على الأرض.
انتهى ولا شك دور الأسد في إدارة البلاد.. وفشل في أن يجعلنا “نحبه”.. وسوف يعود إلى بيته أو إلى إقامته الجبرية منحنياً أمام إرادة الشعب.. وأما الشعب فسوف يعود إلى مظاهراته وغضبه الذي سيتحول قريباً إلى ثأر جارف.. وأما نزار فيعود إلى أذهاننا دائماً.. ويقول بهذه المناسبة في نهاية قصيدته
وأعود أعود لطاولتي – لا شيء معي إلا كلمات.
by: orange
.
تعليق واحد
رائعة…..