سؤال بسيط كان يتردد في فكري, و ذلك عند محاولتي لفهم استجابة النظام لأصوات المعارضة , على مدى تاريخه الطويل , فأحياناً يقتل و يعذب وأحياناً يسجن لفترات ليست بالطويلة , وأحياناً كان من الممكن أن يترك بعض الأصوات لتتكلم ,فلماذا هذا الاسلوب بالتعاطي الذي قد يبدو خاضعاً للمزاجية و الرأي الفردي حيناً , في حين أن قاعدته سياسة راسخة لا مجال للرأي الشخصي فيها.
من بين الكتل المعارضة التي حظيت بأبشع و أعنف الأساليب بالاستئصال , كانت جماعة الإخوان المسلمين , حيث نال منتسبوها القسط الأعظم من القتل و التشريد , و التنكيل , بحيث يمكن القول أن النظام قد مارس سياسة التطهير و الإبادة بحق هذه الجماعة , و ذلك بموجب نصوص تحمل صفة القوانين (القانون 49 الشهير). و قد يجادل أحدهم أن الإخوان قد مارسوا العنف ضد النظام , مما دفعه لهذه الأساليب الوحشية ,و طبعاً هذه المقاربة تحمل من الجهل و الاستخفاف بالعقول أننا لن نضيع وقتنا بمناقشتها.
و هناك عصبة العمل الشيوعي التي حظيت بنصيب وافر من الاعتقالات و التعذيب , و لكن مقارنة بالإخوان المسلمين فعذاباتهم و بتعبير أفراد العصبة أنفسهم تعتبر نزهة.
و هناك مختلف التيارات الأخرى , مثل الناصريين و حزب بعث العراق , و قليل من الأحزاب الكردية , و يضاف لها عدد من التجمعات المختلفة مثل القبيسيات ,التجمعات الصوفية , و الحركات الفلسطينية المتعددة , وغيرها مما قد فاتنا ذكره.
حسب التفسير المنطقي لتعاطي النظام , على مدى تاريخه للحركات المختلفة نستطيع أن نضع تصوراً مبدئياً لنظرته لمختلف الحركات السياسية , حيث قام بتقسيم هذه الحركات عدة أنواع و ذلك تبعاً للخطر الذي تشكله على النظام حسب تقييمه:
اولاً- الحركات التي تشكل تهديداً وجودياً على النظام
وهي الإخوان المسلمين , البعث العراقي سابقاً
ثانياً- الحركات التي قد تشكل خطراً على النظام
عصبة العمل الشيوعي ,الناصريين
ثالثاً – الحركات غير المهددة للنظام
الأحزاب الكردية المختلفة
رابعاً – الحركات التي يستخدمها النظام
الحركات الفلسطينية , الحزب السوري القومي الاجتماعي ، القبيسيات , أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية , التجمعات الصوفية ، الأحزاب الكردية المختلفة
خامساً – الأصوات المعارضة المستقلة
و هذه الأصوات تركها النظام طالما كانت تنحو للعمل الفردي، و يمكن القول أنه قد استخدمها غالباً بشكل غير مباشر (و أحياناً مباشر) للقول بسماحه بالمعارضة (تحت سقف الوطن) أو لضرب مصداقية الأطراف الأخرى في المعارضة، و لكن عندما اتجهت هذه الأصوات للتجمع( ما اصطلح على تسميته ربيع دمشق ) فقد غيَر من اسلوب تعامله معها.
و يجب أن ندرك أنه في تعامله مع هذه الحركات , يضع في اعتباره دوماً إمكانية استغلال أي حركة لتحقيق أيٍ من مآربه و تنفيذ مراميه.
اذاً ما الذي يقسم هذه التنظيمات المختلفة لتشكل واجهات جديدة ليعمل النظام على تصفية بعضها و استعمال بعضها الآخر:
السبب ببساطة هو في القدرة على التنظيم الفعال .
نعم إن القدرة على التنظيم الفعال هو الخطر الحقيقي على النظام الذي استهدف أي احتمال لإنشاء أي تنظيم لا يستطيع التحكم في قراره، فهكذا نستطيع فهم استجابة النظام لمختلف مراحل الثورة و طريقة تعاطيه معها :
ففي البداية عندما كانت العفوية و التلقائية تحكم المد الشعبي و لم توجد قاعدة تنظيمية للثورة أو كانت غير ظاهرة، كان استعماله للعنف مقيّداً بالرغبة في نشر الرعب لإرهاب الشعب.
و عندما بدأت تتوضح البنى التنظيمية للحركة المدنية من خلال التنسيقيات و التجمعات الشعبية انتقل إلى الاستهداف المدروس للعناصر الناشطة على الأرض، مع استمرار لجوئه للعنف المقصود منه إرهاب الشعب.
و في النهاية و عندما تَوج النضال السلمي بالوصول إلى صخرة السلطة (الجيش) فبدأت الانشقاقات تكثر و تحول هذه الانشقاقات -إضافةً إلى التطوع الشعبي- في البُنى الوليدة إلى حركات فاعلة تفرض سيطرتها على الأرض في بعض المناطق عاد لاستخدام سياسة الإبادة و التدمير لسحق البيئة الحاضنة و إعطاء الدرس لمن يجرؤ على الانتساب لمثل هذه التنظيمات أو يفكر بتقديم أي شكل من أشكال المساعدة (بابا عمرو خصوصاً و حمص عموماً).
أختم بفكرة بسيطة : إن نجاح أي مد شعبي يُختصر بتحوله إلى أهداف سياسية قابلة للتطبيق و يسعى لتحقيقها تنظيم فعَال يلقى الدعم و التأييد من محيطه، لهذا عليكم إذا أردتم النجاح للثورة دعم التنظيمين الأساسين المنبثقين عن الثورة : الجيش السوري الحر و المجلس الوطني السوري ، مع إدراكنا الكامل لوجود الكثير من النواقص و التناقضات فيهما.
بوركتم وطبتم عسى أن يجعلكم الله من الصالحين و يورثكم الأرض انه عزيز حكيم
____________________________________
A.ALH