فريق ثورة حياة
———————
ككل الثورات .. حرّضت الثورة السورية أصحابها على الخلق و الإبداع و الابتكار .. و قد تجلى هذا الخلق خلقاً لغوياً, في هتافات و شعارات الثورة, التي و على مسار خمسة عشر شهرا تعددت و تنوعت, تناقضت, وفي معظمها أبلغت.
الحريقة – قلب العاصمة دمشق – احتضنت أول مظاهرة خلال الأحداث , احتشد بضعة مئات إثر حادثة شهيرة, تجمهروا وهتفوا بلسان شعب كامل (الشعب السوري ما بينذل) تلك كانت حقائق لا غبار عليها, لكنها كانت خفية مختبئة خلف جدران من الخوف تحطمت في لحظة واحدة, وخرجت إلى الشارع.
من ثم أتت درعا , و بدأت المظاهرات شبه اليومية و بدأت الهتافات تتسع و تزداد, كان هتاف (سلمية.. سلمية) الأوقع في الذهن و الأكثر استخداما لاسيما بمواجهة الرصاص و قد رسم الواقع بصدق و شفافية متناهية, و لكن النظام أمعن في قمعه لدرعا فنشأ في الثورة نوع جديد من الهتافات, فبدأت سلسلة (نحن معك للموت) وكيف تفدي المدن الثائرة أخواتها اللواتي طالهنَّ بطش النظام.
(الله سوريا حرية وبس) -والذي لربما سبق ظهوره أحداث درعا- كان ردا قويا من الشارع تجاه الثلاثية المعهودة (الله سوريا بشار وبس) و كان تمردا مميزاً بحد ذاته ، وكان مؤشراً مهماً لسقوط “التابو” لدى السوريين.
هنا نصل إلى دوما و هتافها (بدنا نحكي ع المكشوف حرامية ما بدنا نشوف) والذي عكس الوضع الاقتصادي الذي يعيشه العامة و سيطرة أقارب الرئيس على موارد الحياة بمختلف مجالاتها, وفي الوقت ذاته يبين أن حاجز الخوف قد أًزيل و هذا نجده أيضا في (بعد اليوم مافي خوف). وقد كان هذا الهتاف قد شكل بهيكليته تغيرا جوهريا بمسير الأحدث نتيجة لاقترابه من شعار الثورات العربية الأول (الشعب يريد إسقاط النظام) والذي لم يتأخر أبدا بالظهور وعم البلاد بطولها، محدثاً تغييراً جذرياً لسيناريو الأحداث نتيجةً لبطش النظام و قبضته الحديدية التي وجهها لكل المدن المنتفضة و عدم اكتراثه بمجريات الشارع و إنكاره للحالة المعاشة و ربطها بالمؤامرات والجماعات الإرهابية المبتكرة التي تروع السكان، ليجد لنفسه الغطاء الشرعي لقمع حركة الاحتجاج ومن هذه النقطة تحديدا خرج كل من (لا سلفية ولا إرهاب ثورتنا ثورة شباب ) و (لا أخوان و لا سلفية بدنا دولة مدنية) ليعرّي بهما المحتجين أقوال النظام من الصدق وليثبتوا بأنها ثورة شعبية عامة وليست مدا إرهابيا أو سيطرةً لتيار سلفي كما الادعاء .
اتسمت مسيرة الاحتجاجات بالانتشار التدريجي, و ما إن كان هذا المد يصل إلى إحدى المدن أو البلدات حتى تحتفل به مشيرة لنفسها و بكل عزة و فخر, هذا بالضبط ما شهدناه بداية في داريا حين قالوا (هي داريا ها ها ) لينتقل بعدها هذا النمط ليشمل كافة المناطق ويعكس فخر أهلها بوصول الثورة إليهم و مدى قوة أدائهم الثوري.
لم يكن النظام اللاعب الوحيد في ميدان قمع الحراك, فقد تجلى منذ البدايات وقوف أطراف دولية و إقليمية موقف الداعم الشرس لسياسة النظام المتبعة وهم بالطبع ممن كانوا حلفاء النظام الرئيسيين فخرج الهتاف(لا إيران ولا حزب الله بدنا ناس تخاف الله) والذي يظهر -وبشكل جلي- رفض الشارع للدعم المشترك المقدم للنظام حتى أبعد الحدود.
استحقاقنا القادم هو رمضان, ولابد قبل الخوض فيه من الإشارة لما سبقه من ألوف ساحة العاصي وما كانت تجلب معها – في كل حشد من حشودها – من نشوة وثقة بالنصر القريب سادت نفوس الثوار حينها, ولكن كان للنظام قول اخر, فاجتاح حماة و ساحتها عشية رمضان, مصيبا نشوة الثوار العارمة بانتكاسة لا يمكن تجاوزها (حسب رأيه), لكنه لم يفلح، فلم يزد ذلك الثوار إلا إصرارا وعزما ويقينا بالنصر, فجعلوا من كل يوم من رمضان جمعة جديدة وازداد زخم المظاهرات والحراك أيما ازدياد حتى عادت مشاعر قرب النصر لتطغى على الجو السائد وهذا ما كان جليّا تماما في معظم الهتافات الرمضانية والتي نتذكر منها هتافا خرج في دير الزور (يابشار حيّد حيّد بدنا نصوم وبدنا نعيّد) وصولا لـ (بدنا نخلّي العيد عيدين) .
انتهى رمضان, ولمّا ينته النظام, ولم تكن الوعود الدولية ولا وعود المعارضة تملك قشّة من مصداقيّة, الحزن و اليأس من جديد والقنوط من كل ممن يدّعي العون والمساعدة, هنا تحديدا خرج تيار جديد في الثورة, بعد أن فقد الجميع الأمل بمن حولهم و بعد إمعان النظام في عنفه و اجرامه و إمعان العالم بصمته وتخاذله كان لابدّ للناظر من قوّة إلهيّة يبتهل لها و شي أعلى و أسمى يرتبط ويلتجأ به.
(يا الله مالنا غيرك يا الله) (يا الله عجّل فرجك يا الله) صدح بها الملايين من الشمال للجنوب, تاركين العالم وتخاذله لاجئين للقوة الإلهية شاكين حالهم يبتهلون المدد العاجل.
تستمر الثورة, و يستمر النظام في قمعها, ولكنه ازداد قمعا ودمويّة ووحشيّة وراح يرتكب الجريمة تلو الأخرى بكل فظاعة وقبح, ولم يعد الوضع (في نظر الشارع) يحتمل سوى حل واحد وهو الرد بالقوّة, وهذا الفكر انتشر بشكل مطّرد وازداد معتنقوه يوما بعد يوم حتى غدا مطلبا واضحا صدح به الثوّار تمثّل بـ (الشعب يريد تسليح الجيش الحر) وإن كنا نعلم مسبقا أن تأسيس الجيش الحر أتى تحت هدف حماية المظاهرات السلميّة إلا أنه تجاوز هذه فكرة وغدا شبه جيش يهدف إلى (تحرير) البلاد مع حفاظه على مهمته الأساسية بحماية المظاهرات السلميّة والتي ظهر منها وبشكل جلي – وإن كان ذلك على انتشار محدود – الرغبة بإنهاء التيار السلمي والانتقال للتسليح عموما كما في ( ماعاد بدنا سلميّة بدنا رصاص و روسيّة).
عام على الثورة .. أتت الذكرى السنويّة الأولى للانتفاضة معيدةَ رونقها، باثةً فيها الحياة من جديد, حتى الهتافات عادت, فعدنا لنسمع (الشعب السوري ما بينذل) من جديد في ساحات وشوارع دمشق, عاد للنشاط السلمي رونقه وعامليه, وانتشرت حملات التثقيف والتوعية, ولا نعلم ما سيلّف هذه الثورة في أيامها القادمة, هذه الثورة التي غيّرت -و تغيّر في كل يوم لها- وجه التاريخ. ولكن الذي نعلمه جيداً أن ثورتنا مستمرة حتى سقوط النظام.
تعليق واحد
تنبيه: حكاية هتاف .. « مختارات من الثورة السورية