طالب ك ابراهيم
—————————
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وعلى لسان أكثر من مسؤول أنها تخشى على مستقبل سوريا، مثلما ذكرت تماماً روسيا فيما بعد، لكنها أضافت أن زوال الأسد قد يفتح باباً للحرب الأهلية، مع أنها لا تتمسك به كما صرح بوتين مؤخراً وناقضه وزير خارجيته.
الملك السعودي أكد أن سوريا تتجه نحو الكارثة، وتوجس أردوغان في أكثر من مناسبة من هول ما ينتظر سوريا، لكنه كان يتنقل في توجسه من الموقف الحاد التصادمي مع النظام السوري إلى موقف الناصح مما ستؤول إليه الأحوال.
ماذا تغير في الخريطة السياسية السورية عسكرياً منذ اليوم الأول للأزمة وحتى الآن؟
لماذا يظهر أن الشعب السوري عاجز عن استثمار تضحياته في صنع تغيير يحلم به؟
المعارضات السورية من مجلس وطني أو هيئة تنسيق أو طريق ثالث ورابع الآن خارج أية حسابات، التكوينات السياسية المعروفة أو المجهولة لا تدخل في لعبة صناعة سوريا القادمة.
الدور الآن للمسلحين، وتكون باقي الحركات والتظاهرات والاعتصامات داعماً أو تبريراً أو تنظيف وجه.
يتمترس مسلحو الجيش الحر أو مسلحون مجهولو الهوية في مدينة ما أو في حي ما فترة من الزمن، ثم يهجم جيش النظام على المنطقة، يقاوم من يجب أن يقاوم ويموت من يجب أن يموت، وينسحب المسلحون تكتيكياً، ويتركون أهلها عرضة لوحشية جيش النظام.
الانسحاب التكتيكي يحمي المسلحين من بطش النظام، لكنه يدمي السكان، المسلحون الذين أعلنوا مراراً أنهم موجودون لحماية السكان من بطش النظام.
لا يغيب عن تفاصيل المعركة أن النظام يعتمد على كثافة عددية من الطائفة العلوية في حين أن المسلحين هم من الطائفة السنية.
أي دور يلعبه المسلحون ؟ و أي دور لبطش النظام ؟
من يرسم صورة البداية لسوريا القادمة، هو العنف المحسوب بعناية، بين النظام وطائفته من جهة و بين المسلحين المعروفين والمجهولين، والذي يدفع ثمنه الشعب السوري ، لكن العنف المتراكم يقود إلى أحد نهايتين:
نهاية مؤطرة باتفاق دولي لسوريا التي يجب أن تكون بعد هذا النظام، اتفاق على الخارطة السياسية، ومحصلة الصراع لسوريا، بغض النظر عن حاجة أو ضرورة أو جدوى التغيير للشعب السوري.
أو صراع طويل تنتهي فيها سوريا كتكوين اجتماعي سياسي.
كيف يكون ذلك؟
أعلنت أمريكا ومجموعة دول أوروبية، عن دعم المعارضة بوسائل ومساعدات ليست عسكرية، لقد ذكرت التقارير الغربية أن تلك الحكومات تحجم عن تسليح المعارضة، ورغبت قطر والسعودية بالتسليح، لكن السؤال القسري هو من يمنعهم عن ذلك؟ أو هل هم جادون في رفض القيام بالتسليح؟
الحدود السورية مفتوحة أمام مهربي السلاح بقدر أكبر بكثير من أبوابها المفتوحة بوجه اللاجئين، والأموال الجاهزة للعبور إلى شركات الأسلحة الموجودة تحت الطلب، أكبر بكثير من الأموال المنصوبة لخدمة اللاجئين.
دعم المسلحين يسير وفق سلم متعدد الواجبات، يبدأ بالتعبير عن حالة نوعية للساحة الثورية السورية، ويتوقف عند دور التسليح وآفاقه في تشكيل ثغرة للتفاوض على سوريا.
الصورة إذن هي معارك متنقلة بين جيش النظام الوحشي وبين الجيش الحر أو المسلحين المجهولين، معارك يعرف الجميع أنها لن تؤدي إلى انتصار أحدهما لاعتبارات تحددها القوى المشاركة بالدعم، أو الدول التي تعطي غطاء عسكريا مؤقتاً لحجم مصالحها الثابتة والمتنقلة.
معارك متناوبة وبدماء كثيرة لحين خروج اتفاق دولي على تفاصيل كثيرة لسوريا القادمة.
النظام ربما لا يعي أن الجميع يساوم عليه، وهو يعتبر أن وظيفته أن يثبت أنه مازال صالحاً للاستعمال، لكن روسيا ومن خلفها إيران يراهنان أن العنف الذي يقوم به النظام برعاية ودراية منهما، يعطيهما مساحة كافية للتفاوض عليه وعلى سوريا القادمة، و النفوذ المتزايد للمسلحين ومصادرة الثورة السورية من قبلهم هي بحد ذاتها إثبات لدور متعاظم لأمريكا وترسانتها الإقليمية في تحديد موازين أخرى في المعادلة.
سوريا القادمة ستكون معادلاً غير متوازن لصراع القوى هذه، صراع سيتوجب على الشعب السوري مزيداً من التضحيات لتحديد أي سوريا يريد.