بقلم: Syrian Hallaj
——————————–
فاجأني الكثير من المثقفيين العلمانيين منذ بدء ثورة الكرامة في سوريا, بمواقفهم المخزية من الثورة ومن القطاع العام من الشارع السوري أيضاً, لست أناقش أحداً منهم هنا, فبعد مرور أكثر من خمسة عشرة شهراً على القتل اليومي والقمع الواضح, لم يعد هناك ما يناقش, حاولوا لأكثر من مرة أن يقنعونا بأن تخليهم عن ثورة الشعب هو نتاج تحليل سياسي عميق وقراءة سياسية لواقع سياسي, حاولوا كثيراً إخفاء حقيقة انعدام إنسانيتهم وراء كلمات منمقة كانت معارفهم الأدبية كفيلة بأن تظهر كلماتهم منمقة أكثر من اللازم, ولكن في حقيقة الأمر يبدو أن كل ما كانوا يحاولون الدفاع عنه هو كأس العرق المثلث, الذي ولشدة تعاليهم وانقطاعهم عن هذا الشارع يخشون فيما لو تحقق لهذا الشعب أن يعود مصدراً وحيداً للسلطات, أنه سيمنع عنهم كأس العرق, أو انه قد يغلق تلك المقاهي التي يجتمعون فيها لمناقشة أشياء تافهة, يتبارى كل منهم مع الأخر لإظهار مدى معارفه مستخدماً كل ما هو غريب من المصطلحات لكي يؤمن خروجاً منتصراً من المقهى, والخروج المنتصر من المقهى يتجلى بيد تتأبط يد المستعرض في طريقهما نحو الفراش.
فاجأني الشارع أيضاً, حين استطاع أن يسبقني ليقوم بما عجزت عنه, حين استطاع أن ينتفض بهذه القوة, يتظاهر بهذا الشغف يهتف بهذه الإرادة, فاجأني أكثر أنه استطاع تعرية من كنت أعتبرهم معسكري, فاجأتني الثورة حين مكنتني من التخلص من كل هؤلاء, فاجأت نفسي وأنا أفضل أن أهتف للحرية بدلاً من أن الذهاب لتناول كأس مع إحداهن لنتناقش في أمور موسيقى ما بعد الحداثة في الهندوراس.
أن أصبح على يقين تام بأن كل ما يحرك هؤلاء العلمانيين هو خوفهم من خسارة كأس العرق البلدي وخليلة مثقفة أو خليل مثقف, كفيل بأن أحدد موقفي من هؤلاء, وخصوصاً عندما أرى شارعاً منتفضاً لم يخشى خسارة حياته و حريته وعائلته وحارته بأكملها فداءً لمبادئه.
تعالوا معاً لننظر إلى اللوحة كاملة, طرف يدعي امتلاكه للمبادئ بل ويدعي حصرية امتلاكه للإنسانية لأنه يستطيع أن يفلسفها كيف يشاء, يستطيع رسمها لوحة أو صياغتها قصيدة, أو نظريات مجردة في كتب تصدر في الغالب عن إتحاد الكتاب العرب, هذا الطرف يتخلى – لنفترض جدلاً أنه يمتلكها – يتخلى عن هذه المبادئ كلها من أجل ألا يحرم كأس العرق, طرف أخر لم يمتلك الوقت الكافي لقراءة تلك الكتب ولم يستطع أن يفهم ما الذي يقصده الشاعر عندما قال: لأنكِ, ولأنني, لأننا, ضحكة النهر, صوت العمق, أرسم لكِ سفرجلاً, وقوس قزح. لم يفهم لما صفق الجمهور بهذه الحماسة ولم يعرف حتى هذه اللحظة سر بكاءِ تلك المثقفة عند سماعها لكلمات تبدو وكأنها قد اختيرت عشوائياً من أكثر من صفحة من جريدة تفاهة, ذلك الطرف لم يستطع أن يعي ما الذي قد يدفع فنان تشكيلي أن يطلق على لوحة معينة اسم بيروت, رغم أن اللوحة لا تحتوي إلا على ما تبادر لذهنه أنها ليست أكثر من ستة أو سبعة ألوان سقطت عشوائياً من فرشاة كان يقوم أبو فراس الدهان عبرها بطلاء واجهة مبنى, مع ذلك فإن هذا الطرف استطاع بوضوح أن يميز صوتاً يهتف في داخله قبل أن يخرج إلى العلن ” حرية “.
أذكر وثائقياً عن حمص عرض على إحدى القنوات, ظهر في الوثائقي عبد الباسط ساروت, وهو لاعب كرة القدم الحمصي الذي أصبح اليوم قائداً ثورياً, قال فيه كلمات لم أنساها قال أنه خرج في المظاهرات لأنه كان يشعر أن ليس وضعاً طبيعياً أن تكون لاعب كرة قدم وعليك أن تذهب بعد المباريات لكي تلم الحديد من الشوارع وتبيعه كي تشتري لنفسك حذاءً يكفيك مدة المباراة القادمة.
عبد الباسط ساروت وأمثاله الكثيرين ممن قد يمتعض الكثيرين من جمهور العلمانيين فيما لو شاركوا في أي فعالية ثقافية. استطاعوا بكل بساطة أن يغيروا مستقبل سوريا.
يمقتني العلماني أكثر عندما يحاول تبرير كل تلك الانتهازية, فيحيل تغاضيه وتبريره عن القتل اليومي لأسباب وطنية معلناً أن وقوفه إلى جانب القاتل سببه الموقف ” الممانع ” لذلك القاتل, أستحضر تاريخي معه, أراه هازئاً مني ومن دفاعي عن الوطن وسيادته وعن قداسة الأرض في فلسطين والعراق والجولان, أستحضر شماتته عندما لم يحضر أحد الاعتصام الذي دعونا إليه للوقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء غزة, أستحضر دفاع صديقته عن ” ديمقراطية ” الكيان الصهيوني معتبرةً إياي لغة خشبية. اليوم يصبح هو وهي رموز المقاومة على قنوات ” العهر “.
اليوم أنظر إلى نفسي, أقول لن يحرمني احد كأس العرق طالما أن هذه الأرض تفيض علينا بالعنب كل عام, فأنا لن أتوقف عن خوض غمار الكأس, ولن أسمح لأحد بان يحرمني إياه, ولن أسمح لهذا الكأس بأن يحرمني إنسانيتي, لن أسمح له أن يحولني إلى أشياءً فارغة من أي معنى كهؤلاء العلمانيين, لن أسمح له أن يدفعني إلى تبرير القتل اليومي, لن أسمح لحريتي في تناوله أن تكون كافية لتبرير سلب البقية حريتهم, سأظل أكسر العرق نصفاً بنصف, ومع كل نصية جديدة سأحلق فمرة اهتف للحرية في الخالدية وباباعمرو, واخرى في برزة و الميدان, ثالثة في ساحة العاصي, سأشرب فأشعر بنفسي واقفاً قرب شهيد الحرية القاشوش نغني ” سوريا بدا حرية “, ومرة أحلق نحو جبل الزاوية أظل أغني مع الشهيد محمد محمود “ونقول يا خاين ..ونقول يا خاين..حافظ باع لنا الجولان ..وأنتَ حكمك باين “.
تعليقان
أشكرك الكاتب لمشاركتنا هذه المقالة. برأيي، يعتمد كاتب المقالة على تعميمات وتوصيفات غير دقيقة ومن الصعب تحديد الممثل الإجتماعي لها. فهو يبدأ بتسمية “مثقف علماني” ليشرح لنا كيف أن هذا الشخص هو “خائن” “جبان” “سخيف” “معزول” “أناني”…آلخ من الأوصاف والنعوت التي جاد بها خياله. زلاينسى طبعاً إستهتار هذا “المثقف” بمعاناة أهل غزة و “رفضه” للمشاركة في إعتصام لنصرتهم! كما أنه يقوم بتسفيه والسخرية من كل الإهتمامات الأدبية والفنية والفكرية وجلسات الحوار والنقاش التي يعيشها هذا الكائن “الطفيلي” حسب مفهو الكاتب. لكن أليست هذه الصورة كاريكاتورية وفيها الكثير من المبالغة!! عملياً الجميع يتفاعلون مع الأحداث بأشكال مختلفة كل حسب معرفته وخبراته ووضعه الشخصي. البعض يساعد بالمال، وأخرون بالأفكار، وثالث بالتظاهر، ورابع بالحوار السياسي، وخامس بتقوية العزائم، وسادس بالنقد….آلخ بمعنى آخر هو عمل فريق متكامل يجب أن لايتوقف عن التفاعل والنشاط حتى نتمكن من التخلص من الإستبداد وبناء المجتمع والدولة المدنية الحضارية الحديثة. أعتقد أن الهجوم على المثقف بهذا الشكل ليس له أي معنى أكثر من أنه يرسم لوحة كاريكاتورية مبتذلة لكائن متخيل. ربما الشيء الوحيد الذي يمكن الإستفادة منه في هذا “الهجاء” هو ضرورة أن يكون هناك تفاعل أكبر بين كل الأفراد بما فيه النقد لكي نتمكن من تحقيق مانحلم به جميعاً. على كل حال أرغب في تنبيه الكاتب إلى أن الكتاب والقلم لهم دور كبير في بناء المستقبل.
تنبيه: الى المثقف العلماني . . مع اشمئزازي « مختارات من الثورة السورية