إعداد وحوار: شام داود
مع بدء انتشار شبكة الانترنت في العالم العربي وبعدها في سوريا بدأ التدوين يظهر بشكل مكثف مع اشتداد الرقابة على المطبوعات الورقية والإعلامية كنوع من محاولة تقديم المعلومة بشكل مختلف بعيدا عن الرقابة وكأحد الوسائل الأساسية في حرية التعبير تستخدمها بعض الفئات المعارضة أو المعرضة للتهميش في مجتمعاتها
يشكل التدوين أحد وسائل التعبير الأساسية منذ بداية الربيع العربي في تشرين الثاني 2010 مع انطلاق الشرارة في تونس ليتحول إلى إحدى الوسائل الإعلامية الأساسية في فضح الممارسات العديدة ونقل القصص الشخصية والإنسانية للحراك في سورية وتوثيق العديد والعديد من مبادرات الحراك السياسي والاجتماعي
لهذا الغرض حاورت سوريتنا هذا الأسبوع عهد وميس من مدونة كبريت إحدى المدونات الأساسية التي بدأت بعد انطلاقة الثورة السورية، أطلقها بعض النشطاء في داخل وخارج سوريا، حوارنا عن كبريت منذ البدايات وتلخص معنا مراحلها منذ بدايتها وحتى اليوم
في البدء كانت “كبريتة”
| لماذا كبريت؟ علماً أن اشتعال الكبريت اشتعال مؤقت ولحظي ما القصة وراء تسمية المدونة وكيف بدأتم؟
| | في البدء كانت كبريتة، المدونة تروي قصتها بنفسها مع الشعار تقول عهد: مع بداية الربيع العربي في تونس كانت الشعلة محمد البوعزيزي الذي احرق نفسه احتجاجا على الظلم الممارس عليه وأشعل ثورة تونس، وعندما أطلق أطفال درعا الشرارة في سوريا بكتاباتهم على حيطان مدرستهم وتفجرت الاحتجاجات بعدها.. الكلمة والكبريتة التي تفجر الثورات وتفجر الحريات.
صحيح أن الكبريت شيء لحظي لكنها لحظة تنير العمل وتترك آثارا وسوف تستمر وكل فعل أو فعالية أو مقال أو حدث أو نشاط ميداني أو غيره يعتبر كبريتة بالنسبة لنا، لا يهم دوام مدة الحدث بل يهمنا دوام آثاره كما شعلة الكبريت
بدأت المدونة بجهود مجموعة من الصبايا والشباب يوم الجمعة 20 أيار 2011 وما تزال مستمرة حتى اليوم.
طبعا المدونة مرت بمراحل عدة، بدأنا كمنبر لبدايات الثورة، لإيصال صوتنا ووجهات نظرنا، أردنا المشاركة بما هو أبعد من التظاهر، أردنا ممارسة الحرية وكسر الخوف في مواجهة قمع النظام الذي عمل على منع انتشار الآراء وتشويهها عبر إعلامه الممنهج والمسير.
التدوين شكل من أشكال العمل الجماعي في سوريا الثورة
| هل يمكن لنا الحديث عن طريقة عمل الفريق وتنظيمة؟ وما هي المراحل التي مرت فيها المدونة وكيف تطورت؟
| | بدأنا بعمل غير منظم، كل منا يقدم ما يقدر عليه وما يبرع به من كتابات من تطوير للموقع من تصنيف أو تدقيق أو إعداد، ومع طول مدة الثورة وتطور الحراك وانتشار رقعته بدأنا بتنظيم أنفسنا وتهيئة الموقع ليكون عملا ومشروعا يستمر إلى ما بعد سقوط النظام وليكون فاعلا ومنبرا في سوريا الجديدة.
كبريت اليوم أكبر من مدونة كبريت تتطور شيئاً فشيء لتشكل نواة لمؤسسة إعلامية جديدة، وتكون فاعلة بين وسائل الإعلام البديل ومنبر حر لحرية الرأي وانعكاسا لصوت الشارع السوري داخل وخارج سوريا.
| كيف تجد كبريت نفسها بين كم الوسائل الإعلامية التي تحاول أيضا بدورها إيصال فكرة عن واقع سوريا اليوم وأين ترى اختلافها عنهم؟
| | قطع إعلام الثورة أشواطاً كبيرة منذ البداية وهو في حالة تطور دائم، نحاول دوما أن نكون متجددين وخاصة أننا من أوائل المشاريع منذ بداية الثورة ومع انتشار المدونات وتعدد المبادرات تجد كبريت نفسها دوما في مواجهة تحد دائم لتبقى على تواصل مع قصص السوريين وعلى سوية العمل المطلوب منها ومع تطور عدد متابعيها دوما.
نختلف عن باقي المدونات بوجود فريق تحرير متفرغ يقوم بنشر المقالات واللقاءات الصحفية وتحريرها كما نقوم بإعداد مقالات خاصة بكبريت ومن إنتاج الفريق نفسه، علاوة على أن كبريت تساهم بأغلب الحملات الإعلامية التي تعبر عن حراك الشارع السوري ولها مبادرات خاصة بها وبرامج إذاعية. ونعمل مؤخرا على تطوير مبادرات ثقافية كنادي كتاب كبريت
بالإضافة إلى التعاون الوثيق مع باقي وسائل إعلام الثورة قدر المستطاع، وتطوير المدونة بشكل دائم على أكثر من صعيد.
المدون… مشروع معتقل
| التدوين والإعلام والانترنت بشكل عام معرض بشكل دائم للرقابة من قبل الأمن والمخابرات السورية وجميع من بدأ بإنشاء مواقع للتعبير عن الرأي كانوا معرضين للملاحقة والسجن، كيف تعاملتم مع هذا الواقع ببداية إنشاء كبريت؟ وما هي الصعوبات اللي واجهتكم بالعمل؟
| | أكيد كنا حريصين أشد الحرص إنه نعمل بأسماء وهمية، وإلى الآن أعضاء فريق كبريت غير معروفين للإعلام ولا للعلن، طبعا الخطورة الأكبر تقع على الشباب والصبايا الموجودين داخل سوريا نعمل معهم بشكل سري وبحرص شديدين كي لا تنكشف هويتهم ولا يتعرضوا للملاحقة أو للاعتقال.
تضيف ميس: المشكلة الحقيقية التي عانينا منها كفريق تحرير لكبريت التي قدمت نفسها على أنها مدونة جماعية هي أن النسبة الأكبر من فريق عملنا تعمل بأسماء وهمية، الأسماء الوهمية تحمي أصحابها لكنها في نفس الوقت تقلل من مصداقية المدونة وكتابها، مع مرور الوقت وانكسار حاجز الخوف عند الكثيرين بدأنا نتلقى مشاركات تدوينية بأسماء حقيقية.. وبدأ بعض أصدقائنا من فريق المدونة ينشرون مقالاتهم وتدويناتهم بأسمائهم الشخصية..
ما نعترف به جميعاً هو أن كل مدون أو صحافي مشروع معتقل فعلاً.. وبأن النظام اعتبر عدوه الأخطر لعشرات سنواتِ خلت القلم لا السلاح، لكن السوريين اختاروا على ما يبدو كشف أقنعتهم لتكون تلك هي طريق اللاعودة..
التدوين عالم يترواح بين البوح الشخصي وحرية التعبير عن الرأي والإعلام البديل
| من هم كتاب كبريت؟ هل هم مدونون؟
| | كما ذكرت سابقاً كبريت مقسمة لعدة تبويبات واضحة بالموقع، لدينا فريقنا الخاص الذي ينتج تقارير ومواد صحفية ومقالات رأي أو وجدانيات، وبنفس الوقت نرحب بأي مقالات أو مواد خارجية ضمن سياسة النشر بكبريت يوجد بيننا مدونون ولأغلب كتابنا مدونين سابقين لديهم مدوناتهم ومشاريعهم الخاصة.
| ما هي ماهية التدوين بالنسبة لكم وكيف تعرفونه؟
| | التدوين هو تعبير عن الذات بلا حواجز وبلا سقف، يختلف عن الصحافة فيه شيء من النرجسية عندما تمتلك مدونتك الشخصية التي لا تنتظر شروطا وإملاءات من أحد.
قد يكون التدوين فعلا منبر من لا منبر له، ومن الممكن اعتبار الهدف الأساسي لمشروع كبريت تأمين هذا المنبر للشباب السوري الراغب بتقديم رأي أو معلومة بشكل من الأشكال، نحن في كبريت نرحب وننشر كل مقال تجده هيئة التحرير متوازناً وجيداُ على الصعيد البنيوي والمنطقي..
تعتبر كبريت أن أي قارئ هو مرشح حقيقي ليكون كاتباً فيها.. وفيما بعد أن يصبح جزءاً من فريق عملها وهذا هو سبب انتشار كبريت بشكل رئيسي بين شريحة الشباب الغير قادر على النشر في المنابر الإعلامية المشهورة والعريقة.
| هل هناك رقابة معينة تفرضوها على أنفسكم وعلى الناشرين؟
| | كل مقال جيّد بنيوياً ويحمل فكرة هو مناسب للنشر في كبريت، نبحث دوما عن الإنسانية والقصص الشخصية وما يمكن أن يمس شرائح المجتمع الواسعة بمختلف بيئاتها، نحرص على أن لا تحوي المقالات أي تحريض طائفي أو حث على العنف أو كلمات بذيئة. مهاجمة لأشخاص لمجرد المهاجمة بدون نقد بنّاء. لا ينشر في كبريت، هي الشروط واضحة سواء بالنسبة للفريق أو المقالات الخارجية..
| هل كبريت تعتبر نفسها ملتزمة بلون واحد أم هي بيئة للحوار والنقاش وإغناء الفضاء الالكتروني لتقريب وجهات النظر؟
| | من الصعب أن تكون كبريت لون واحد، كبريت خلقت مع الثورة وبنفس الفترة التي كان فيه أغلب السوريين يتطلعون بعيون مفتوحة نحو الحرية، قمنا بنشر مقالات متناقضة بالآراء لكثير وجهات نظر مثل السلمية والتسليح.. الرمادية والالتزام بالخط الثوري.. علماني وإسلامي.. وأكثر، كل المواضيع تطرح بكبريت والتعليق ومشاركة الآراء والنقاشات مفتوح للجميع حتى لو تعلق ذلك بنقد المدونة وطريقة عملها وآراءها.
الحلم التدوين في سوريا الحرية
| بعد مرور أكثر من عام، كيف هي كبريت؟ هل هي كما حلمنا بها؟
|| بصراحة كبريت اليوم أكثر بكثير مما أردنا لها أن تكون، بدأنا كمدونة وتجميع لأصواتنا وقصصنا، وكبرنا ومع التزام الجميع وتطور الفريق وإمكانياته تحولت كبريت إلى وسيلة إعلامية تتطور وتستمر. كبريت طفل يكبر وينضج ويتكور، يستمر ليساهم في إعمار سوريا الجديدة.
| كبريت مشروع لسوريا، هل ترون أهمية لاستمرار كبريت بعد الثورة وكيف يساهم التدوين ومن ضمنه المدونة في سوريا في المرحلة القادمة؟
| | كما ذكرت كبريت تتطور بشكل دائم، القرار الذي اتخذ بنقل كبريت من مدونة إلى مؤسسة إعلامية، هو رغبتنا بالاستمرار والتطور، ستبقى كبريت مدونة جماعية على الانترنت ومنبرا لكل الأشخاص التي تريد أن توصل أصواتها وأرائها، لكل من لا يجد مكانا له في الجرائد أو المجلات، وستبقى أيضا مفتوحة للعمل الطوعي المنتج الذي يساهم في إغناء الفراغ الثقافي ورفد الإعلام البديل.
التدوين بشكل عام وفي جميع أنحاء العالم هو نافذة للرأي، نافذة شخصية إنسانية وفكرة، في سوريا نطمح له أن يكون حراً كما الثورة بعيداً عن الملاحقة والرقابة الأمنية، الحرية هي الشرط الأهم في التدوين وتعمل كبريت اليوم على ترسيخ هذا المفهوم كون المدون لا يمتلك سقفا ولا تحده قوانين إعلام حينما يدون وأنه ينتمي بالفطرة للمجتمع والإنسانية.
نأمل أن يرقى التدوين أيضا إلى مستويات مهنية عالية كي تصبح الانسانية وحقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي هي الأسس التي تحكم الصحافة والإعلام ويصبح التدوين جزء من هذا الكم الإنساني والحر لتطوير المجتمع وبناء سوريا الحرية.
سوريتنا | العدد الخامس والخمسون – 7 تشرين الأول 2012
ملف العدد: الانتخابات الأمريكية: موعد جديد.. مع لعبة الأمم