إلى ختام غبش في “مشفاها” القسريّ
لِمَ تقف الطائفة العلويّة ككتلةٍ اجتماعيّةٍ إلى جانب النظام، وهي التي ساهمتْ في صناعة استقلال سوريا على يد الشيخ صالح العلي، وكانت مشاركةً في كلِّ تفاصيل الحياة السياسيّة منذ الاستقلال وحتى بداية السبعينيّات، وحاضنًا لأهمِّ الحركات اليساريّة والعلمانيّة التقدّميّة بين الخمسينيّات وبداية الثمانينيّات؟ وهل تمتلك أفقًا للخروج من عنق الزجاجة الذي ترقد فيه؟
نحاول هنا تناول “المسألة العلويّة” مبتعدين عن الأحكام المطلقة، حيث تصبح مفردةُ العلويّ مرادفًا للشرِّ المطلق أو الخير المطلق كما في الدراسات الدينيّة. فالعلويّون كتلة اجتماعيّة تعرّضتْ لمجموعة عوامل أثّرتْ فيهم، وليسوا “مجرمين وملتحقين بالسلطة” بالفطرة (مع الأخذ في الاعتبار أنّ نسبة السنّة الموالين للنظام أكبرُ من نسبة العلويّين الموالين). وخيرُ توصيفٍ للحالة التي نحن في صددها قولُ ثائر ديب: “السواد لا يفسّر الجريمة، ولو كان جميعُ المجرمين سودًا… مع ترك أذهاننا مفتوحةً على احتمال أن يُجْرِم بعضُ البيض أو جميعُهم ربّما. هذا يجب أن يدفعَ إلى طريقةٍ في التعامل مع الإجرام وأسبابه خارجَ السواد تمامًا… لبُّ المشكلة: بين تحليلٍ طائفيٍّ للطائفيّة، إذا جازت تسميته تحليلًا، وبين تحليلٍ علميٍّ لها…”(1)
ولتوضيح الأمر، يمكن أن نتساءل: لو فشل انقلابُ الأسد عام 1970، واستطاع رجلٌ من طائفةٍ أخرى الاستحواذَ على السلطة، فهل كان العلويّون في هذا الموقع الآن؟ كتب محمد كامل الخطيب: “منذ عشر سنواتٍ تقريبًا، سألني صديقي المخرج السينمائيُّ رياض شيّا: ماذا كان سيحدث لو استلم سليم حاطوم السلطةَ بدل حافظ الأسد؟ أجبتُ ضاحكًا: لا شيء مهمًّا. الفرق الوحيد أنّ أكثر شباب السويداء وحوران كانوا سيعملون في المخابرات، بدل الذهاب إلى أمريكا اللاتينيّة والخليج وليبيا، وأكثر شباب الساحل كانوا سيذهبون إلى أمريكا اللاتينيّة والخليج وليبيا بدل المجيء إلى العمل في المخابرات في دمشق.”(2) على البحث إذن أن يتجاوز الطائفة كطائفة، فيبحث في جملة العوامل السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تعرّضتْ لها ككتلةٍ اجتماعيّة. وهذا ميدانُ بحثنا الأساس.
في التطييف السياسيّ للعلويّين
ثمّة نقطةٌ فاصلةٌ في تاريخ العلويّين الحديث قد تكون نقطة الارتكاز التي أدّت لاحقًا إلى صيرورتهم طائفةً شبه ملتحقةٍ بالسلطة، ومرتبطةً معها بمصير حياةٍ أو موت:
“في آب/أغسطس 1980، اختار حافظ الأسد الاحتفالَ برمضان في القرداحة، مسقطِ رأسه، بدلًا من جامع بني أميّة الكبير في دمشق كما كان يجري التقليدُ. وجمع إليه، بهذه المناسبة، أهمَّ زعماء الطائفة العلويّة الدينيّين، وأوصاهم برصِّ الصفوف لمواجهة الأزمة، حاضًّا إيّاهم على تحديث العدّة الدينيّة لإحكام قبضتها على الطائفة، وتثبيتِ دعائم الروابط المنحلّة، على مستوى السرائر على الأقلّ، التي تربط بالأرومة الشيعيّة المشتركة التي خرجتْ منها تاريخيًّا.”(3)
المقطع السابق يسجّل أولَ واقعةٍ تاريخيّةٍ تثبت توجّهَ الأسد إلى طائفته بشكلٍ رسميٍّ وعلنيٍّ لأجل حماية حكمه، بعد أن حاول خلال السنوات العشر الأولى ترسيخَ أسسِ حكمٍ وطنيٍّ/ “علمانيٍّ” في مواجهة الإخوان المسلمين: فاستمال تجّارَ المدن، وأسّس “الجبهة الوطنيّة التقدّميّة” من أغلب الأحزاب السائدة، واصطدم عدّةَ مرّاتٍ مع الإخوان على خلفيّةِ “علمنة الدولة.”
لم يَحدث اتجاهُ الأسد نحو طائفته بمثل هذا الشكل العلنيّ إلّا بعد دعمه لوجود العلويّين في السلطة، رابطًا مصيرهم به تدريجيًّا. ففي المؤتمر القطريّ السابع (كانون الأول 1979)، “شُكِّلتْ لجنةٌ مركزيّةٌ تضمُّ ثلاثين علويًّا من خمسة وسبعين.”(4) وفي حين لم تُصب “حلاوةُ” السلطة في عهد الانتداب سوى أعيان العلويّين، أبناءِ المشايخ والإقطاعيّين، فإنها بدأتْ في عهد حافظ الأسد تصل إلى القطاعات الشعبيّة والكتلِ الاجتماعيّة المهمّشة، فزادت من ارتباطها به.
وساعدتِ الأسدَ في شدِّ عصب الطائفة إليه شعاراتُ الإخوان الطائفيّةُ في ثمانينيّات القرن الماضي، من قبيل “إسقاط الحكم العلويّ.” وبعد خروجه منتصرًا، أدرك أهميّة استخدام الطائفة في معركته للسيطرة على السلطة بشكلٍ مطلق، فبدأ يؤسّس لسياسةٍ أمنيّةٍ مختلفةٍ عمّا بدأ حكمَه به. كانت الفرصة مواتيةً لجذب الطائفة إلى مركبه، بعد أن توزّعتْ في السابق على تياراتٍ متنوّعةٍ، بعضها يعلن عداءه المطلق لنظامه ــ كحال “حزب العمل الشيوعيّ” الذي كان أغلبُ مؤسّسيه ونشطائه، ومنهم المناضلُ المعتقل (حاليًّا) عبد العزيز الخيّر، من العلويّين، بل من قرية الرئيس نفسها (القرداحة).
هنا بدأ النظامُ العمل على عدّةِ محاور، وهي:
أ ـ الجانب الدينيّ: قبل حكم حافظ الأسد وخلال العقدِ الأوّل منه، لم تكن للعلويّين مؤسّسةٌ دينيّةٌ ترعى شؤونهم أسوةً بالطوائف الأخرى، بل كان شيءٌ من هذا يتمُّ بالعرف الاجتماعيّ وبطريقةٍ عفويّةٍ غير منظّمة. وضمن هذا السياق نذْكر الشيخ سليمان الأحمد (والد الشاعر بدوي الجبل)، والشيخ صالح العلي، وآل الخير، وغيرَهم ممن كان يلجأ إليهم أهلُ الطائفة لحلِّ مشكلاتهم الدينيّة والاجتماعيّة.
لكنْ، في العام 1936، وبشكل مفاجئ، على ما تقول المؤرّخة شانتال فيردل، “عمدتْ جماعةٌ علويّةٌ تحت زعامةِ الشيخ سليمان الأحمد إلى إعلان نفسها عربيّةً ومسلمة. وبعد سنةٍ أصبح الإقليمُ العلويُّ جزءًا من الدولة السوريّة الجديدة. وما بين عاميْ 1939 و1942 تمَّ دمجُ الإقليمُ في سورية التي كانت في طريقها إلى الاستقلال.”(5) وهذا يعطينا فكرةً عن الدور الذي كان يلعبه رجالُ دين الطائفة سابقًا، دامجين الوطنيَّ بالدينيّ.
منذ ثمانينيّات القرن الماضي، سيعمل النظامُ تدريجيًّا على تفريغ الطائفة من مراجعها الدينيّة المتفق عليها، لصالح مراجعَ أخرى يشرفُ على صناعتها. ومنذ تسعينيّات القرن الماضي، ستشهد الطائفة تحوّلَ الضبّاط والمساعدين في الجيش إلى الدين، ولاسيّما بعد انتهاء خدمتهم. كما سنشهد قيام ضبّاط، على رأس عملهم، بزياراتٍ إلى مشايخَ مقرّبين إلى السلطة، وربّما صنيعة السلطة ذاتها ضدَّ مشايخَ آخرين لم تتمكّن السلطةُ من تدجينهم ولكنّها قطعتْ جذورَهم الاجتماعيّة. إنها، إذن، ظاهرةُ تدخّل الدين في السياسة بطريقةٍ تُظهرُ الأسدَ الأب وكأنّه “وليٌّ من أولياء الله الطاهرين.”1 وهذا الأمر، على مدى العقدين الأخيرين، ساهم في ربط الطائفة بالأسد دينيًّا. وتجلّى ذلك لحظة وفاته، إذ انتشرتْ شائعةٌ في مناطق العلويّين تقولُ إنّ وجهَه على القمر، أسوةً بالإمام عليّ. ولا نستبعد أن يكون مصدرُ تلك الإشاعة الأجهزةَ الأمنيّةَ من أجل إحكام القبضة على الطائفة من الجهة الدينيّة.
الجانب السياسيُّ: زمن الانتداب، انخرطتْ عائلاتٌ علويّة كثيرة في العمل السياسيّ (يخصّ كمال ديب بالذكر أسماء علويين ناشطين من عائلات كنج، والعبّاس، وجنيد، وخير بك، والأحمد، والحواش، والمرشد).(7) وبين الثلاثينيّات والثمانينيّات توزّع العلويّون في تيّاراتٍ سياسيّةٍ عديدة (بعثيّة، شيوعيّة، قوميّة، ناصريّة،…). لكنّ هذا التنوّع انحسر مع انتصار النظام في الثمانينيّات، ليبدأَ بجرف كلِّ من لم يتمكّنْ من احتوائه في “جبهته الوطنيّة التقدّميّة.” وقد طاولتْ حملتُه كلَّ معارضي النظام العلويّين، ولاسيّما ضمن حزبَي العمل الشيوعيّ والبعث الديمقراطيّ، لتخلوَ الساحةُ الاجتماعيّة العلويّة من أيِّ معارضين. وترافقَ هذا مع اجتثاث السياسة كليًّا من المجتمع السوريّ، لتتحوّلَ سوريا إلى “مملكةِ صمتٍ” وفق تعبير المعارض الشهير رياض الترك. هذا الفراغ ملأته السلطةُ بإجبار الناس على الانتساب إلى البعث عبر ربط قبولهم في وظائف الدولة والجيش والأمن ـ وهي أبوابُ الرزق الوحيدة أمام العلويّين ـ بموافقةٍ أمنيّةٍ تتطلّب أن يكونوا بعثيّين.
في العقود اللاحقة سيزيد عددُ العائلات العلويّة المنخرطة في السياسة بفعل انتشار الأحزاب السياسيّة، التي ستُسحَقُ بعد ثمانينيّات القرن الماضي. وهذا يعني خلوّ الساحة من أيّ نشاط سياسيّ يمكن أن يجمع العلويين بعيدًا عن السلطة.
الجانب الاقتصاديُّ/ الأمنيّ: تاريخيًّا لم يكن للعلويّين أيُّ مصدر رزقٍ خارج الزراعة والرعي. فهم أبناءُ الجبال الخائفون من النزول إلى المدن بسبب تعرّضهم لمجازر تاريخيّةٍ على يد العثمانيّين لا تزال تستوطن الذاكرةَ الجمعيّة، وتحصّنُهم في الجبال حماية لهم من الآخر/ السنّيِّ الذي لم يكن في لاوعيهم إلّا عثمانيًّا قاتلًا لا يتورّعُ عن فعل أيِّ شيءٍ بهم لكونهم “علويّين” فحسب.
لم تُكسَر هذه القاعدة إلّا مع مجيء الفرنسيّين الذين استغلّوا فقرَ العلويّين، ففتحوا لهم أبوابَ الجيش الفرنسيّ، ليحصلوا لأول مرة على راتبٍ من غير الأرض التي لم تكن تكفي إلّا لمنع الموت عنهم. واستمرَّ هذا الأمر حتى الاستقلال وبدايةِ حكم البعث، حيث أصبح الموردُ الوحيدُ للرزق هو الجيشَ والزراعة. لكنْ حصل أمرٌ جديد، هو ظهور نخبٍ علويّةٍ، إقطاعيّين ورجال دين حصرًا؛ إضافةً إلى ظهور أحزاب يساريّة وقوميّة، وحصول نشاطٍ سياسيٍّ مكثّفٍ عمل على استمالة الأقليّات وسكّان الأرياف، ليساهمَ هؤلاء في افتتاح مدارسَ هنا وهناك، وليبدأ التعليمُ في الدخول إلى نسيج الطائفة. هكذا تخرّجتْ أولُ دفعاتِ المتعلّمين، من حافظ الأسد وصلاح جديد وغيرهما، وذهب أغلبُهم إلى الجيش لعدم قدرته الماديّة على إكمال دراسته الجامعيّة.
بيْد أنّ الأمر سيتغيّر بعد دخول الدولة أزمتَها الاقتصاديّة في الثمانينيّات. وترافق ذلك مع زيادة عدد سكّان المتعلّمين في الأرياف بسبب تحسّن مستوى التعليمِ وانتشاره وتقديم تسهيلاتٍ لطلاب الجامعات (ومنها سياسةُ الاستيعاب الجامعيِّ، والتعليم المجّانيّ، والسكن المجانيّ). فراحت أجيالٌ جديدةٌ من أبناء الأرياف تهجر الأرضَ باتجاه المدينة، لتُرمى في سوق البطالة لعجز الدولة عن المزيد من الاستيعاب. هنا بدأت السياسة الاقتصاديّة ـ الأمنيّة للرئيس الأسد لتسهم في شدِّ الأقليّات. فبعد أن أدركت السلطةُ أهميّةَ الطائفة في حمايتها، أخذتْ تبني كلّ سياساتها على أن يكونَ للعلويّين النسبةُ الكبرى في الجيش والأمن، فامتنعتْ عن القيام بمشاريع تنمويّة تمتصُّ أفواجَ الشباب الخارجةِ إلى سوق العمل في تلك الأرياف والمناطق، وعمدتْ إلى تحديث الأرياف (شوارع، مدارس، بلديّات، مراكز زراعيّة، مستوصفات…). الأسوأ كان تراجعَ الدولة في حماية الزراعة، وعجز الرعي بعد ذلك اليوم عن تلبية متطلّبات الحياة، وهو ما أفقد العلويّين عمومًا جملةً من مسبّبات العيش التي اعتمدوا عليها تاريخيًّا لصالح وظائفِ الدولة، وتحديدًا الجيش والأمن. ما سبق ذكرُه، مضافًا إليه حدوثُ تغيّرٍ في وعي ابن الريف الذي بات يفضّلُ الوظيفةَ وراتبَ آخر الشهر على عملٍ زراعيٍّ غيرِ مستقرّ، أنتجا وعيًا يعتمد على الدولة في كلِّ شيء.
السياسة السابقة أدّت إلى بروز الجنرال/ الإقطاعيِّ الجديد نموذجًا يُحتذى. وهنا نلمح أوّلَ التشوّهات التي حصلتْ في الوعي الاجتماعيّ: فبعد أن كان الطبيبُ والمهندسُ هما حلمَ أيِّ عائلةٍ لابنها، تراجع الأمرُ لصالح صعود العسكريِّ بسبب ظهور معالم الرخاء على الضبّاط. وإذا كان لجوءُ أجيال الستينيّات والسبعينيّات والثمانينيّات إلى الجيش بسبب الفقر (وبسبب السلطة بالنسبة إلى الثمانينيّات)، فإنّ التسعينيّات ستشهد عاملًا آخرَ، هو الحلمُ السريعُ بالثراء؛ حتى إنّ عائلاتٍ قادرةً على تعليم أبنائها باتت ترسلهم إلى الجيش طمعًا في الثراء السريع… والوجاهةِ الاجتماعيّة التي انتقلتْ من الطبيب أو المتعلّم إلى الجنرال، خصوصًا بعد أن بات الضبّاطَ ورجالُ الأمن أصحابَ الكلمة العليا في البلد.
وإلى الثراء السريع والوجاهة أضيفت إلى هؤلاء العسكريّين ميزةُ “التوسّط” إلى أقربائهم للتوظّف في سلك الدولة. وقد تمَّ استغلالُ الحاجة إلى الوظيفة، فباتت “الواسطةُ بمقابل” هي الوسيلةُ الوحيدة للوصول إليها. وهنا سيصبُّ المقابلُ الماديُّ في يد هؤلاء الجنرالات في أغلب الأحيان. ومن هنا يمكن أن نفهمَ سرَّ التضخّم الكبير للعلويّين في جهاز الدولة المدنيِّ صعودًا من العام 1985، وبخاصّةٍ بعد ارتباط الوظيفة بموافقةٍ أمنيّةٍ تتطلّب أن يكون المرءُ بعثيًّا. ولمّا كان العلويّون أقرب إلى السلطة طائفيًّا، وأحوجَ إليها اقتصاديًّا، فقد كانوا أكثرَ طواعيةً لقبول قراراتِ السلطة الجديدة.
هكذا أصبح أكثرُ العلويّين مهدّدين بالولاء الكامل للسلطة، أو الجوع بالمعنى الحرفيّ للكلمة. وهذا يفسّر جزئيًّا عدمَ نجاح الدعوات إلى الإضراب بشكلٍ كاملٍ، بسبب خوفِ الموظّفين (من كلِّ الطوائف) على مصدرِ رزقهم الوحيد.
الخوف من السلطة ومن الآخر
وصل العلويّون إلى أعلى مناصب الدولة، وانتشروا في المدن الكبيرة، لكنّ خوفهم الأقلويُّ ظلّ على حاله. فقد بقيت ذاكرتُهم الجمعيّةُ تحملُ المجازرَ التي تعرّضوا لها على يد العثمانيّين، وزادتها تأجّجًا أحداثُ الثمانينيّات التي أحسنت السلطةُ استخدامَها وتضخيمَها ليصبحَ الإخوانُ المسلمون، بل السنّةُ ككلّ ـ في أذهان العلويّين ـ “عثمانيّي العصر الحديث.” وغذّى ذلك كلَّه الخلافُ التاريخيُّ بين السنّة والعلويّين حول حادثة السقيفة، التي لم تزل تحكمُ أذهانَهم على المستوى الدينيِّ واللاوعي الاجتماعيّ.
وقد تجلّى ذلك في تعبيرات العلويّين عن المستقبل. فعباراتٌ من قبيل “إذا قلبوا [أي السّنّة] الحكمَ وحكموا يومًا ما” و”الرمل سيجرُّ البحص” كانت دائمةَ الترديد في مجالس العلويّين وبيئتهم. العبارة الأخيرة تُنسَب إلى الإمام عليّ كتنبّؤٍ مستقبليّ، وترديدُها يعكس خوفَ العلويِّ المزمن من “الآخر،” ومن العودة إلى الجبال، ومن توقّعه الدائمِ (وإنْ كان في السلطة) من عودة الماضي. ولعلّ مغادرة بعض العلويّين دمشقَ سريعًا عند وفاة الأسد باتجاه الساحل السوريّ تعكس ذلك الخوفَ الأقلويَّ المزمن. وهو ما تؤكّده أيضًا عبارةُ “أمّ أيهم” في الشريط الذي تمَّ تداولُه مؤخّرًا “بسْ لا تغدروا فينا”(8)؛ فهي ما كانت لتلجأَ إلى “الآخر” [المقصود الجيش الحرّ والسنّة] لولا مواجهتُها الموتَ مباشرةً.
وقد عملتِ السلطةُ على رفع منسوب الإحساس بهذا الخطر عند كلِّ منعطف، ومنعتْ حدوثَ الاندماج الاجتماعيّ (المفترض أنّه من أولى مهامِّ الدولة)، لإبقاءِ الأمر في إطار “حسن جوارٍ طائفيٍّ” بلغة ياسين الحافظ. لقد غذّت السلطة الشأنَ الطائفيَّ وعاشت عليه، ولكنّها لم تخلقه. وإلى أن يحين رحيلُها، فإنّ سوريا تحتاج إلى سياساتٍ دمجيّةٍ تعمل على كسر الجدران اللامرئيّةِ بين الطوائف الدينيّة والإثنيّة.
إلى جانب خوف العلويّين من الآخر، هناك خوفٌ قلّما تمَّ تناوله، وهو خوفُهم من السلطة لأنهم الأعرفُ ببطشها وفاشيّتها لكون أغلبِهم يخدمون في أجهزتها الأمنيّة وينقلون إلى بيئتهم الاجتماعيّة ما يجري في الفروع الأمنيّة من تعذيب. ولعلّ عبارةَ “الدبين [أي الذباب] الأزرق ما بيعرف وينو” التي تتواتر كثيرًا في الأحاديث العامّة هي نتاجُ الاحتكاك اليوميّ بين عناصر الأمن ومحيطِهم الاجتماعيّ، وهو احتكاكٌ عمل على خلق خوفٍ دائمٍ من السلطة التي تحميهم وتذلّهم في آن. وساهم في ترسيخ هذا الخوفِ ما تعرّض له السجناءُ السياسيّون العلويّون، إذ قضوا سنواتٍ في السجن ليخرجوا إلى بيئةٍ مختلفةٍ كليًّا عن البيئة التي عرفوها من قبل، معانين النبذَ والإقصاء، ليكونوا عبرةً للطائفة وللسوريّين في آن. والحقّ أنّ السلطةَ كانت تتشدّد في شأن السجناء العلويّين أحيانًا؛ ولعلّ الحكمَ على د. عارف دليلة بالسجن عشر سنوات في “ربيع دمشق،” في حين حُكِمَ أغلبُ أصدقائه آنذاك بين ثلاثِ سنوات إلى خمس، يعطي مؤشّرًا في هذا السياق.
هكذا يعيش العلويُّ عامّةً بين خوفين: الخوف من السلطة، والخوفِ من السنّيّ. الفرق بين الخوفين يتمثّل في أنّ الأول حديثٌ وسطحيٌّ وغير متجذّرٍ في الذات ويبرز على ساحة الوعي، في حين أنّ الثاني قديمٌ وعميقٌ ومتجذّرٌ في الذات ويبرز على ساحة اللاوعي، قافزًا إلى الوعي في لحظة الأزمات كما هو الحال الآن.
نتائج العوامل السابقة
كان تأثيرُ العوامل السابقة في العلويّين واضحًا لجهة إنتاج كتلةٍ مرتبطةٍ بالسلطة في أغلبها، على الصعد السياسيّة والدينيّة والاقتصاديّة، مرفقًا بخوفين يتناوبان على ساحتَي الوعي واللاوعي، ويتسبّبان في عصابٍ جماعيّ. هذا العصاب يظهر أحيانًا في المبالغة في الوفاء للسلطة، من خلال تعابير مثل: “أبيدوهم” و”بدنا نزرع حمْص ودوما وبانياس بندورة وبطاطا.” وهنا تستغلُّ السلطةُ هذا الأمر ليبدو وكأنّ العلويّين يعنون ذلك ويريدونه، في حين أنّهم في حقيقة الأمر عاجزون ومصابون بفقدان مناعةٍ تجاه السلطة، وتجاه آليّاتها التي باتت تنتجُ نفسها بنفسها من الداخل، إلى درجةٍ يصعب معها فهمُ ما إذا كانت الطائفة تحتمي بالسلطة أمْ أنّ السلطةَ هي التي تحتمي بالطائفة!
في وضعٍ كهذا، أين يلجأُ العلويُّ المعترض؟ وكيف يؤسّس لحالةِ نضالٍ ضدَّ سلطةٍ تشكّلُ بيئتُه الاجتماعيّةُ أحدَ أعمدتها؟
إنّ استخدام بعض المعارضة السوريّة للورقة الطائفيّة يصبُّ في خدمة السلطة نفسها، محرّضًا الطائفة العلويّة على المزيد من الالتجاء نحوها بفعل صعود الخوفِ من الآخر/ السنّيّ (المغروس في الذاكرة الجمعيّة) إلى سطح الوعي، مغيّبًا الخوفَ من السلطة إلى دائرة اللاوعي. وقد عمد النظامُ، في تصدّيه لحركة الشارع السوريّ منذ بدايتها، إلى العزف على الوتر الطائفيّ مباشرةً، مستغلًّا امتلاكَه أدواتِ اللعبة التي خبرها طوال عقود حكمه. فبدأ الكلامَ على الإمارات السلفيّة، والسلاح، والإخوان القادمين لاستلام السلطة، والعراعرة، وكلِّ ما من شأنه استثارةُ خوف الأقليّات. وترافق الأمرُ مع بعض الحوادث التي جرت في بداية الانتفاضة، مثل مقتل العلويّ نضال جنود في بانياس، ومقتل العميد التلاوي مع أبنائه في حمص. فاستغلت السلطة الحدثين لإثارة شائعاتٍ كانت تعرف أنّ أحدًا لن يصدّقها في البداية، ولكنّها كانت تدرك أيضًا ـ نتيجةً لخبرتها الطويلة ـ أنّها سترفع منسوبَ الخوف عند العلويّين من الآخر لصالح تراجع خوفهم من السلطة. وهو ما حدثَ فعلًا.
في بداية الانتفاضة (نيسان 2011) ظهر شريطُ فيديو، من قرية البيضا في بانياس، يبيّن رجالَ أمنٍ يصيحون بشعاراتٍ طائفيّةٍ وهم يضربون متظاهرين (سنّةً على ما يوحي الشريط). إنّ إعادة التفكير في الشريط وطريقةِ ظهوره، وفي النتائج التي ترتّبتْ عليه، تجعلنا نخمّن أنّ السلطة هي التي سرّبتْه، وهي التي نفت نسبته إليها في الوقتِ نفسه: فقد أرادت من تسريبه تأطيرَ الحراك الشعبيّ ضمنَ سنيٍّ/ علويٍّ، وفي الوقت نفسه رفْعَ منسوبِ إحساسِ السنّة بسنّيتهم بدلًا من مواطنيّتهم في مواجهة العلويّين. السلطة تدرك، بخبرتها الطويلة، ما تختزنه المجتمعاتُ من طائفيّةٍ كانت واثقةً بأنّها ستظهر في نهاية المطاف. ورغم أنّ سياستها في تأليب الطوائف بعضِها على بعض فشلتْ طوال الأشهر الأولى من الانتفاضة، فإنّها بدأتْ تؤتي أُكْلَها بعد حادثةِ جسر الشغور ضدّ رجال الأمن، وزادها لاحقًا دخولُ السلاح عنصرًا فاعلًا في الأزمة بدعم دولٍ تقوم على الطائفيّة.
بالتوازي مع ذلك، وضعت السلطةُ في أولويّة اهتماماتها الناشطين المنتمين إلى الطائفة العلويّة لأنّها تدرك أنهم الأخطر، لكون مجال نشاطهم هو البيئات التي تُعتبَرُ ظهرًا لها. فعملتْ على عزلهم عن بيئاتهم هذه عبر سلسلةٍ من الخطوات: تبدأ من السجن، ولا تنتهي عند الشائعات ضدّهم في قراهم ومدنهم وأحيائهم بغيةَ تخويف الناس من التعامل معهم.(9)
المكمّل الثاني لسياسةِ السلطة هذه هو أداءُ المعارضة بأطيافها كافّةً، إذ كشفت الانتفاضةُ أنّ المعارضة أكثرُ الناس جهلًا بطبيعة نظامهم. مثلًا لم يُعرَفْ للمعارضة أيُّ بيانٍ ضدَّ أحداثٍ مفصليّةٍ كان لها تأثيرٌ كبيرٌ في دفع الطائفة العلويّة إلى محض النظام مزيدًا من التأييد، وكان من شأن انتباه المعارضة إلى أمورٍ كهذه أن يَسْحبَ ورقة السلطة تلك. مثلًا حين تكلّم النائبُ السابق مأمون الحمصي بكلامٍ طائفيٍّ قذرٍ في القاهرة، لم يصدرْ بيانٌ رسميٌّ (على حدِّ علمنا) عن أيّة جهةٍ سياسيّةٍ معارضةٍ ترفضه وتستنكره؛ وحين تحدّثَ رياض الشقفة عن كسر “المحور الشيعيِّ” من منتصفه، لم يقلْ له أحدٌ أنّ هذا كلامٌ طائفيٌّ لا يناسبُ الانتفاضة السوريّة الوطنيّة. وثمة أخطاءٌ أخرى أدّى تراكمُها إلى دفع العلويّين، يومًا بعد يوم، نحو النظام، وبخاصّةٍ حين تأتي الأخطاءُ على شكل تصريحاتٍ مصدرُها الإخوان المسلمون، الذين هم في أذهان غالبيّةِ العلويّين “عثمانيّو العصر الحديث.”(10) وهذا ما دفع ثائر ديب إلى القول:
“كان على الثورة، مثلًا، أن تبقى حتى النهاية، ومهما حصل، فاتحةً حضنَها لكلِّ من لم ينضمَّ إليها. لكنها اختارت، بل اختار أدعياؤها الذين لهم المنابرُ الإعلاميّةُ جميعُها، شتمَ الجيش والعلويّين، كما شتموا حلبَ وغيرَها قبل انضمامها إلى الثورة. ونحن ندفعُ الآن ثمنَ كلِّ ذلك بسبب النظام الوحشيّ أولًا وثانيًا وثالثًا، وبسبب هذه الأخطاء أو الخطايا رابعًا وخامسًا. وبالمناسبة، كثيرٌ من ‘ثوريّينا الكبار’ منطقُهم طائفيّ. ناهيك بالمهسترين الثوريّين، ولاسيّما أولئك الذين كانوا حتى هذا الصباح في قفا النظام أو في جبهته ‘الوطنيّة التقدّميّة،’ وفي ظنّهم أنهم أفاقوا على ‘الحقيقة،’ لكنّهم لم يفيقوا سوى على وهمٍ هو مقلوبُ وهمهم السابق ووجه عملته الآخر.”(11)
وزاد الطينَ بلّةً البياناتُ والدعواتُ التي وجّهها بعضُ معارضي الطائفة إلى الطائفة نفسها بصفتهم “نشطاءَ علويّين.” إضافةً إلى البيانات الخبيثة التي أصدرتها الدولُ الكبرى “المصرّة على حماية الأقليّات” بهدف استغلال الخوفِ الأقلويّ للتدخّل في الحالة السوريّة، على نسق ما فعلتْه في الإمبراطوريّة العثمانيّة؛ فالبيانات زادت من إحساس العلويين بأقليّتهم وتمسّكهم بالنظام. وهذا ما انتبه إليه جيّدًا عمر قدّور حين كتب:
“ومع أنّ النظام هو المسؤول الأوّل عن دفع التخوّفات الأقلويّة إلى العتبة الحاليّة، إلا أنّ الكثير من القوى الدوليّة قد شاركه في تعزيزها. لا يقتصر هذا على الروس، الذين أعلن وزيرُ خارجيّتهم بوقاحةِ معارضته لتولّي ‘السنّة المتطرّفين’ الحكمَ، بل واظبتْ دوائرُ غربيّةٌ فاعلةٌ، ولاسيّما الأميركيّة منها، على العزف على وتر الأقليّات والحصول على ضماناتٍ لها في مرحلةِ ما بعد الأسد. واستسهلتْ قوًى معارضةٌ ‘معتدلةٌ’ هذه النغمة، واستخدمتْها بمنطقٍ كيديٍّ للنيل من القوى المنافسة الأكبر عبرَ اتّهامها بالطائفيّة. لا يوازي هذا الرخصَ في الأداء سوى أداءِ بعض المتطرّفين حقًّا الذين هدّدوا بالانتقام من العلويّين، واسترجعوا بتشفٍّ مرويّاتِ الطائفةِ ذاتها عن مرحلةِ الاضطهاد، مهدّدين بإعادتها إليها.”(12)
ما سبق هو المشهدُ الأبرزُ في المعركة السوريّة الدائرة الآن، وترتّبتْ عليه عودةُ جثامين علويين بالطائرات إلى جبال الساحل السوريّ، واختطافُ جنودٍ علويين مقابلَ طلب فدياتٍ يعجز أهلوهم الفقراءُ عن دفعها. وأسهم ذلك كلّه في إيصال الكتلة الاجتماعيّة العلويّة إلى مرحلة فقدان المناعة بشكلٍ كلّيٍّ تجاه ما يحدث… إلّا في حالاتٍ خارجيّةٍ تحتاج بحثًا مستقلًّا.(13) وهذا كله يرتّب على المعارضة مسؤوليّةَ العمل الجادِّ والحريص لتلافي ما سبق. فالعلويّون، ككتلةٍ اجتماعيّة، أشدُّ الناس حاجةً إلى الحريّة، حتى وهم إلى جانب النظام، لأنّهم أسرى هذا النظام، وأسرى المعارضة الطائفيّة، وأسرى الدول الكبرى التي تتاجرُ بهم. وهو ما أشار إليه أيضًا عمر قدّور حين قال:
“ينبغي الاعترافُ بأنّ الطائفة العلويّة، على نحوٍ خاصّ، تمَّ تهجيرُها رمزيًّا من المجتمع السوريّ. ولقد ساهم، في هذا، النظامُ، وبعضُ القوى الدوليّة، وجزءٌ من المعارضة. لكنّ أمر إعادتها إليه واجبٌ وطنيٌّ لا يخصُّ أبناءَ الطائفة وحدهم، بل يستدعي المساعدةَ في إخراج من عاد منهم إلى حضن الطائفة إلى الفضاء الوطنيّ العامّ.”(14).
ويبقى السؤال: هل تغيّرُ المعارضةُ إستراتيجيّتها، أمْ فات الأوان؟
محمد ديبو
المصدر: مجلة الآداب
المراجع
(1) ثائر ديب، “عــن الطـائـفـيــّة ومثـقـفـيـهـا والـثــــورة فــي ســـوريــا،” http://arabi.assafir.com/article.asp?aid=231&refsite=arabi&reftype=artic…
(2) محمد كامل الخطيب، مئة عامٍ من العذاب (بيروت: منشورات0021، 2011)، ص71.
(3) آني ـ شابري شابري ولورانت شابري، سياسة وأقليّات في الشرق الأدنى، الأسباب المؤدّية للانفجار ترجمة د. ذوقان قرقوط (القاهرة: مكتبة مدبولي، ط 1، 1991)، ص 249-250.
(4): المرجع السابق، ص 245.
(5): فيردل شانتال، “العلويّون عام 1930 : ثورةٌ اجتماعيّةٌ وتأثيراتٌ يسوعيّة،” ترجمة صلاح نيوف http://syria-politic.com/ar/Default.aspx?subject=960#.UNGEiuRg_ms
(6)http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:mady6CFwvGsJ:www.ikhwan.net/forum/showthread.php%3F156776-%25DF%25E1%25E3%25C9-%25C7%25E1%25C8%25E6%25D8%25ED-%25DD%25ED-%25CA%25C3%25C8%25ED%25E4-%25CD%25C7%25DD%25D9-%25C7%25E1%25C3%25D3%25CF+%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%B7%D9%8A+%D9%81%D9%8A+%D8%AA%D8%A3%D8%A8%D9%8A%D9%86+%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%B8+%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF&cd=2&hl=ar&ct=clnk
(7) كمال ديب، تاريخ سوريا المعاصر (بيروت: دار النهار، ط 2، 2011)، ص51-52.
(8) http://www.youtube.com/watch?v=SKYylLUmDvI
(9) ولعلَّ ما حصل مع صاحبِ هذه السطور من كتابة شعاراتٍ على حائط المنزل (“يسقط الخائن العميل محمد ديبو”)، وإرسال رسائل إلى القنواتِ الغنائيّة (“أهالي قرية العنازة يتبرؤون من الشاعر محمد ديبو”)، وما تعرّض له أحدُ الأساتذة في مدينة بانياس من ضربٍ على يد طلّابه أمامَ أعين الأمن وبتحريضٍ منهم لأنه تظاهرَ مع “الآخرين/ السنّة،” وكذلك إطلاق شائعاتٍ عن الناشط محمود عيسى في حمص وفي قريته الدردارة وجوارها تزعم أنّه “يتحدث من بيته كشاهد عيان ويلفّق الأحداث، والإشاعات التي ظهرتْ في دير ماما تزعم أنّ مروان ابن الشاعر ممدوح عدوان يهرّب سلاحًا إلى مدينة دوما، تدلُّ على سياسةٍ ممنهجةٍ لعزل النشطاء عن بيئاتهم بغيةَ إبقاء الطائفة بعيدةً عن أيِّ تأثير.
(10) ليست الحقيقة في ذاتها هي ما يهمّ، بقدر تمثّلها في أذهان الناس. فقد يقول قائلٌ: “ما ذنبُ الإخوان أو المعارضة إنْ كانت الطائفة العلويّةُ تفكّر هكذا؟” وهو سؤالٌ يساهم في ترسيخ الحالة لأننا إذا كنّا نريد حلولًا فعلينا فهمُ الأمور بشكلٍ صحيح؛ وأمّا إذا كنّا نريد تسجيل موقفٍ سياسيٍّ وفق صيغة السؤال السابق، فإنّ الأمور ستزداد تأزّمًا. وهذا ما تسير عليه المعارضة السوريّة!
(11) ثائر ديب، مصدر سابق.
(12) عمر قدور، “ما تُنذر به مجزرة عقرب،” الحياة 18/12/2012، الرابط: http://alhayat.com/OpinionsDetails/462972
(13) مثل انقلاب داخليّ، وهو أمرٌ مستبعدٌ لمن يعرف تركيبة الجيش والأمن السوريّين، إلّا في اللحظات الأخيرة، وبترتيبٍ روسيٍّ/ إيرانيّ، أو قيام جنرالات النظام الأقوياء في عهدِ حافظ الأسد بفعل شيءٍ ما. وقد ذكر مؤخّرًا موقعُ سيريا بوليتيك خبرًا قد يكون مؤشّرًا في هذا السياق(http://syria-politic.com/ar/Default.aspx?subject=1202#.UNGD6uRg_ms ). وهؤلاء يمكنهم فعل شيءٍ ما، وبخاصّة أنّ البيئات العلويّة كما ذكرنا تمَّ تجريفُها من كلِّ شيءٍ لصالح الجنرالات؛ أو حدوث ردِّ فعلٍ اجتماعيٍّ ما تجاه بعض المجازر التي تحدث بشكلٍ غريبٍ كمجزرة عقرب.
(14) عمر قدور، مصدر سابق.